مشعل أباالودع

هل أعادت إلينا كورونا الحياة؟

الأربعاء - 02 سبتمبر 2020

Wed - 02 Sep 2020

آمنت بأن هذه الجائحة أهدتنا شيئا ثمينا، عبارة عن رسالة تذكير بأننا كلنا نعيش على هذه البسيطة، نتغذى على يد الطبيعة الأم، وقد يتم تدميرنا على يدها كذلك... تذكير بأنه لا يوجد أنا وأنت، يوجد فقط نحن.

لا يمكننا إنكار مسألة أن هذه الجائحة أعادت لنا جزءا من الحياة، كان قد انضم إلى أرشيف التاريخ، ولوهلة ظننا أن قيمنا الأخلاقية والتاريخية قد اختفت ولا أمل في رجوعها... والعديد من الشعوب العربية برهنت على روح الإخاء والتعاون، وساعدت الناس بعضها البعض وفتحت الدول باب المساهمات المادية أمام شعوبها لضخ صناديق تدبير الجائحة، وتعاون الكل لمحاربة هذا العدو المجهول.

هذه الرحلة ربما لم تنته بعد، لكننا لا ننكر بأننا استفدنا الكثير سواء كأفراد أو كشعوب تعيش وتتعايش تحت سقف سماء واحدة.

فمنا من أعاد النظر في نمط حياته واعتزل ما كانت تمليه عليه الرأسمالية.

منا من غادر بطن المدينة الذي يلتهم ضحاياه منذ أن بدأت الناس تزحف من القرى نحو المجالات الحضرية، ليعود إلى أصله ويعيش الحياة الطبيعية المسالمة.

منا من اقتنع أن الحياة قصيرة وعلينا أن نعيشها ببساطة ولا جدوى من تعقيد الأمور والبحث عن الكمال، بل على الواحد أن يعيش تفاصيلها الصغيرة ويستمتع بها. أما البعض الآخر، قرر أن يضمد الجراح بالتوقف عن لمسها، وقرر أن يعقد قرانه على الحياة، فتجاوز الماضي وترك المستقبل، وغاص في اللحظة الراهنة، باعتبارها هي الشيء الوحيد الذي يتجلى فيه ومنه وعليه.

أكيد أنه يوجد منا، من أخذت كورونا منه حقها ومضى الأمر بسلام. لا شك بأنه اقتنع الآن بأن عملية الشهيق هي ما يربط بينه وبين العالم المادي الذي يعيش فيه، ولا شك أنه اقتنع بنعم الله عليه وأنها حقا لا تعد ولا تحصى.

وبعد، في الحقيقة، ما هو غير متوقع هو متى ستنتهي هذه الجائحة، وما هو متوقع وأكيد هو أنها ستنتهي في تاريخ ما، فهل سنعود لما كنا عليه، نصنع وننجز في عالم تسوده الفردانية والأنانية ومصلحة الأقلية على حساب الأغلبية؟ هل سنغلق على أنفسنا من جديد ولا نبالي بالآخرين؟ هل ستخصص أقل النسب من نواتجنا الداخلية للتعليم والصحة كما عهدنا من قبل؟

هل اقتنعنا كفاية بأن الطبيعة هي سيدة القرار و لا شيء يعلو عليها، وأن ما استغرقنا لبنائه سنوات قد يختفي في رمشة عين؟

أما على سبيل الختم، يقول الله عز وجل في كتابه: "إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم"، ومنه إذا لم نغير من سلوكنا ورؤيتنا لمكونات الطبيعة، وإذا لم نقتنع بأن هذه الأخيرة لا يقوى عليها، يستحيل أن تتغير الأمور من حولنا... ولتكن هذه الجائحة داعية لنا أن نقبل على الله، وأن نبتهل إليه ونتضرع له أن يرفع عنا هذا الوباء، وأن نصحح طريقنا إليه، الذي لا غالب له ولا راد لأمره.