عبدالله المزهر

القفز من المركب «الطابع»!

الاثنين - 24 أغسطس 2020

Mon - 24 Aug 2020

حين ولد مجلس التعاون الخليجي كان أكبرنا سنا هذه الأيام لا يزال شابا يافعا في تلك الأيام، وكثير منا كان طفلا لم تعن له تلك الولادة شيئا، وأظن أغلبنا لم يأت للدنيا بعد، وحين أتى وجد هذا المجلس أمامه، ينتج الأغنيات والبرامج التلفزيونية المشتركة، بعضنا غنى مع المغنين «خليجنا واحد وشعبنا واحد» وبعضنا الآخر اكتفى بالرقص.

وفكرة المجلس تبدو فكرة منطقية وطبيعية وحتمية، دول صغيرة المساحة وقليلة السكان تتناثر على شاطئ الخليج لا يمكن أن تكون قادرة على فعل شيء وحدها، كان المجلس في نظر أهل الخليج الأوائل الذين شهدوا ولادته نواة الاتحاد الخليجي، وراودتهم أحلام الجواز الموحد والعملة الموحدة عن أنفسهم، ولكنهم استيقظوا فجأة ولم يجدوا أمامهم سوى الحقيقة المؤذية.

والحديث هنا عن أربعين عاما وليس عن بضع سنين. أربعون عاما من الثراء الفاحش كان يمكن أن تجعل من هذه المنطقة أهم وأقوى وأكثر مناطق العالم قوة ونفوذا واستقرارا ورفاهية، كان يمكن أن تحول هذه المنطقة إلى القوة الاقتصادية والصناعية والمالية التي تتحكم ليس فقط في كوكب الأرض ولكن في الكواكب المجاورة. كان يمكن أن يستخدم هذا المال وهذا الوقت لتحييد الخطر الذي يجثم على الضفة الأخرى من الخليج بدلا عن البحث عن منقذين من وراء البحار وتقديم التنازلات التي كان يمكن ألا تكون مع قليل من الدبرة، والتخلي عن الأنانية وأحلام اليقظة التي لن تحدث.

وأظنكم تعلمون أن هذا لم يحدث، وأظن أن كثيرا منكم لا يرى في الأفق ما يدل على أن هذا سيحدث. لأسباب لا أعلمها تخلت هذه الدول الصغيرة عن رغبتها في الاستقرار والرفاهية وبدأت تتصرف على أساس أنها دول عظمى، وبدلا عن استخدام أموالها الزائدة في بناء اقتصاد مستدام بدأت تستخدم أموالها في التدخل في شؤون بقية سكان المعمورة، فتسعر حربا هنا وتشتري ميليشيات هناك. وتنثر أموالها بسفه لا تخطئه العين في أمور لا تعنيها.

والحقيقة التي لا يمكن تجاوزها أو الالتفاف حولها أو تزييفها هو أن نقطة التحول في مسيرة هذا المجلس كانت الانقلاب الذي حدث في الدوحة، ووصول الشيخ حمد بن خليفة للحكم بعد أن خلع والده رحمه الله.

واتضح مع الأيام أن تفتيت المجلس هو أحد أهم الأهداف التي حدث من أجلها ذلك الانقلاب، وأظن أن ذلك لو لم يحدث في قطر لحدث في غيرها، لأنه كان لابد من باب للدخول وتفتيت الحلم من الداخل.

كان الشيء الوحيد الذي يبقي المجلس على قيد الحلم في نظر مواطني دول المجلس هو «الرأي الموحد» والاتفاق على السياسة الموحدة لدول المجلس في القضايا الدولية والإقليمية، لكن تبعات ذلك الانقلاب وأدت ذلك الحلم وبدأ الاختلاف يتحول إلى خلاف ثم شذوذ متعمد عن إجماع دول المجلس، ثم نقل مشاكل المجلس إلى المحاكم الدولية كما حدث في قضية «جزر حوار». ثم الاتصالات وفتح المكاتب للكيان الصهيوني. إلى آخر تلك السلسلة التي لم تتوقف حتى اليوم.

وعلى أي حال..

كل ما حدث ويحدث بعد ذلك هو نتيجة له، أصبحت هذه الدول الصغيرة تبحث عن تحالفات أخرى، تقفز من سفينة المجلس الغارقة ليس لديها ترف التفكير والاختيار. وتصرخ في وسائل إعلامها: سآوي إلى حضن ينجيني من الزوال، مع أنه لا عاصم لها إلا الاتحاد.

agrni@