عبدالله زايد

تقتحم حياتنا ولا تطرق الباب!

الخميس - 30 يوليو 2020

Thu - 30 Jul 2020

فيما مضى كانت الإذاعة والسينما والتلفزيون والصحف والمجلات والكتب تعد من أدوات الثقافة وأجهزتها، لكننا في هذا العصر أمام أدوات جديدة مختلفة تماما ولها أثر وعمق مختلفان، وأقصد تحديدا شبكة الانترنت وثورة الاتصالات العالمية التي نعيشها، فهل يمكن اعتبارها أدوات تشكل الثقافة، أم إنها تجاوزت هذا المفهوم لتصبح صانعة للثقافة؟

لنلق نظرة على جزء من هذه المنظومة الاتصالية العالمية مثل مواقع التواصل الاجتماعي على تعددها وأثرها في مختلف المجتمعات البشرية؛ البعض يتجاوز مفهوم الأداة إلى مفهوم التأثير، بمعنى أنه بواسطة هذه التطبيقات حدث تنقل للثقافة من مجتمع إلى آخر، وهذا التنقل يحكمه في العادة متطلبات مثل قوة المجتمع وانتشار الشرائح المتعلمة وتزايد استخدامها لهذه المواقع، عندها تصبح مؤثرة في مجتمع آخر ينخفض فيه معدل التعليم وتدني في عدد مستخدمي مواقع التواصل، الذي يحدث انتقال للثقافة ولكثير من المفاهيم أو على الأقل انتقال لمفاتيح وعناوين للثقافة الأقوى.

يمكن رصد مثل هذه الحالة عندما نلاحظ أن مجتمعا ما يردد مفردات وكلمات لم تكن من ضمن قاموسه اللفظي أو اللغوي، وعند البحث والدراسة نجد أنها مفردات جديدة جاءت من مجتمع آخر بشكل مبطن وخفي مع الرسائل ووسط المعلومات التي يتم التعامل معها يوميا، لكن الموضوع لا ينحصر أو يتوقف في مفردة من هنا أو كلمات من هناك، بل هو أبعد من هذا وأعمق، خاصة عندما يتعلق الأمر بالأفكار والمبادئ والقيم.

يمكن رصد العديد من القيم التي لم تكن سائدة في مجتمع ما، وقد باتت جزءا من تكوينه ونظرته للمستقبل، وهناك أفكار لم تكن محل اهتمام وليست لها أولوية صارت مع مرور الأيام تتصدر اهتمامات الناس، هذا السيل الجارف من المعلومات التي نتلقاه يوميا ليس وليد ثقافتنا ولا هو نتاج محلي ولا هو تعبير عن هويتنا، بل هو جملة من المعلومات التي تصلنا من جهات متعددة من العالم، البعض منها ثقافة هجينة بمعنى أنها مرت بكثير من التصفية والتعديل والتبديل حتى شوهت تماما، وبعضها ثقافة متلبسة مبنية على مفاهيم تتضاد مع قيمنا كالأسرة والأخوة والعائلة والزواج...إلخ.

والمؤكد في هذا السياق أن عمليات التعديل والتغيير في المعلومات خلال رحلتها في نطاقات الانترنت مستمرة وتمر بكثير من التحريف والتشويه.

بطبيعة الحال هذه الكلمات ليست دعوة لإقفال الأبواب، ولا هي تخويف من كل قادم، فالفضاء المعلوماتي ليس له باب فيوصد، والثقافات على مختلف أنواعها ومفاهيمها وتوجهاتها تنتقل بسرعة وخفة ودون شكل أو هيئه تماما كالهواء، إنما الهدف زيادة المعارف في هذه المجالات للنشء واليافعين، خاصة خلال سنواتهم الدراسية على مقاعد التعليم، وعي الأجيال ومعرفتها بهذا الجانب ليس الهدف منهما التصدي والرفض وإنما التأثير، وأن يكون لدينا جيل مؤثر يساهم في نظام المعلومات العالمي بثقة ومعرفة.

@abdullahzayed