شاكر أبوطالب

آيا صوفيا.. الكنيسة والمسرحية!

الاحد - 26 يوليو 2020

Sun - 26 Jul 2020

كنيسة آيا صوفيا تحفة معمارية وجوهرة العمارة البيزنطية ورمزية تاريخية منذ 15 قرنا، كانت مركزا للكنيسة الأرثوذكسية الشرقية، وفي بعض الفترات كانت كاتدرائية للروم الكاثوليك. بعد سقوط القسطنطينية أمر السلطان العثماني محمد الفاتح بتحويل آيا صوفيا إلى مسجد، وهو أمر يخالف الوصايا الإسلامية في الحروب! وكذلك أمر بطمس وإزالة الرسوم والرموز المسيحية، وإضافة سمات معمارية إسلامية.

وبعد منع الرئيس التركي مصطفى أتاتورك إقامة الشعائر الدينية في آيا صوفيا، صدر قرار بتحويلها إلى متحف فني، وأصبحت من أهم الوجهات السياحية ذات الزيارات المليونية سنويا.

في منتصف الشهر الحال، وفي محاولة بائسة لترميم صورته الذهنية التي تضررت كثيرا بعد انكشاف كثير من كذبه السياسي، وغيابه عن دائرة الضوء الخاصة بالمنطقة العربية والدول الإسلامية؛ وقع رجب طيب إردوغان مرسوما حكوميا يقضي بتحويل آيا صوفيا إلى مسجد وفتحه أمام المسلمين لأداء الصلاة فيه.

يوم الجمعة الماضي صعد رئيس الشؤون الدينية التركي علي أرباش المنبر في آيا صوفيا في أول خطبة معتمدا بيديه على سيف، إحياء لعادة السلاطين العثمانيين، ورُفع شعار الجيش العثماني (الأهلة الثلاثة)، وعدسة البث المباشر تراوح بين المنبر وإردوغان الذي شارك في إقامة الصلاة الأولى. لتكتمل مشاهد وفصول أحدث المسرحيات السياسية ذات الإثارة الدينية، وطبعا من تأليف وإخراج الممثل الكبير إردوغان!

منذ أكثر من عقد وإردوغان يرى في تركيا الحالية امتدادا للخلافة الإسلامية، وينظر إلى نفسه خليفة جديدا للمسلمين، أو على الأقل آخر السلاطين العثمانيين! وهذه الحالة قريبة من حالة معمر القذافي، وهي ولا شك أحد مؤشرات مرض جنون العظمة، والعيش في الماضي أو الوهم وعدم مغادرته. ويتقاطع رجب مع جماعة الإخوان في رفض الواقع، والتعلق بالمجد التليد الضائع، وقد استثمر إردوغان صعود التيار الإخواني في المنطقة، ليمرر من خلالهم الرسائل التي يريدها.

وجماعة الإخوان ومن يساندهم في التفكير، خاصة المشغولين بقضايا الأمة ورفض القطرية، والبراءة من الأوطان وحكامها؛ سلكوا مسلكا واضحا في البحث عن شخصية سياسية في الدول الإسلامية لتقديمها أنموذجا يحتذى به، وانطلقوا في ذلك مع مهاتير محمد، رئيس الوزراء الماليزي الأسبق، ومجدوه وعظموه بوصفه الباني لماليزيا الحديثة، بينما المطلعون يعلمون جيدا أن المساهمة الأكبر بالبشر والاستثمارات جاءت من الصين.

وبعد خفوت نجم مهاتير انطلق الإخونجية في البحث عن شخصية سياسية جديدة ليلتفوا حولها ويؤلفوا عنها القصص ويربطوها بالتاريخ لإسقاطها على الحاضر، فوجدوا في رجب ضالتهم، وخلال 12 عاما فقط أصبح إردوغان رمزا للأمانة والعدالة والإدارة والقيادة السياسية، ساعدهم في ذلك نمو تركيا في فترة الشروط الأوروبية لفتح النقاش حول الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي.

وحين فقد ابن طيب فرصة انضمام تركيا للمنظومة الأوروبية غير وجهته إلى الشرق، وبدأ تقديم نفسه سلطانا عثمانيا جديدا، خاصة مع وصوله إلى سدة الرئاسة. واستثمر الإخونجية الظرف السياسي وقدموا إردوغان في صورة الخليفة المعاصر للمسلمين!


وتتوالى المسرحيات التي يقدمها إردوغان لتحسين صورته لدى المسلمين الذين تغلب عاطفتهم عقولهم، خاصة بعد ظهور وجهه الديكتاتوري الحقيقي بعد محاولة الانقلاب، وخسائره المتراكمة في سوريا، قبل الاتجاه إلى ليبيا في محاولة لحفظ ماء الوجه البارع في التمثيل.

shakerabutaleb@