مرزوق بن تنباك

السياحة بين الأمس واليوم

الثلاثاء - 14 يوليو 2020

Tue - 14 Jul 2020

الأمس:

منذ عشرات السنين كلما قرب وقت الهجرة إلى الشمال والجنوب لرحلة الصيف المعهودة المتكررة كل عام، ينبري عدد لا يستهان به من الكتاب والموجهين والناصحين بكل ما يستطيعون من التوجيه والإرشاد والنصائح للناس بعدم السفر للخارج من أجل السياحة، ويشرحون بكل ما أوتوا من قوة فضائل السياحة الداخلية، وأن الأموال التي تصرف في الخارج من السياح السعوديين الأولى بها بلادنا، وأن يكون سمننا في دقيقنا كما يقولون.

ويجود أكثرهم بإحصاء ما ينفقه السياح السعوديون في كل صيف في الخارج حتى يبلغ بما يحصي مئات المليارات، ويأسف أن تكون تلك المليارات قد نزفت من رصيد الثروة الوطنية، وأنفقت في الخارج، وهكذا يقول وينصح، رغم أن الناس يعلمون أن هؤلاء الناصحين أو أكثرهم الذين يملؤون أعمدة الصحافة بالنصائح هم في الغالب يكتبون نصائحهم وينشرونها بعد أن يستقر بهم المقام في إحدى الدول التي يفضلون قضاء الصيف فيها مع أسرهم وأصدقائهم.

وإذا عادوا بعد انقضاء الصيف نسوا نصائحهم التي أسدوها في البداية، وكتبوا عن انطباعاتهم في المصيف الخارجي وما رأوا من الأسرار في عجائب الأسفار، لأن ذاكرتهم قصيرة لا تسعفهم كثيرا، فينسون ما قالوا في أول الصيف ويأتون في وصف ما رأوا وعرفوا في تلك البلاد من عجائب الدنيا التي تجعل من لم يذهب مثلهم أو من لم يستطع الذهاب يفكر بحسرة وأسف على ألا يكون قد استطاع ما استطاعوا من السفر والسياحة والنظر في ملكوت الله الواسع.

والأخطر من ذلك عندما يعود الطلاب للمدارس بعد الصيف، فيبدأ بعض المعلمات المتحذلقات وبعض المعلمين المتحذلقين بالسؤال الأول للطلاب والطالبات: أين قضيتم الصيف؟ فتكون إجابات بعضهم القادرين على الرحلة والسفر قاسية على البعض الآخر الذي لم يستطع ما استطاعوا.

اليوم:

جاء الناصح الأمين ولم يعد أحد محتاجا إلى فيض تلك النصائح، فقد تكفل فيروس كورونا بالمساواة وقضى بالعدل بين كل المواطنين، وليس في دولة واحدة لكن في كل الدول، حيث أصبح الجميع سواسية يقضون عطلة الصيف في بلادهم رغم قدرة القادرين على السفر وعجز العاجزين عنه، إذن الصيف ورحلاته عندنا هذه السنة سيكونان في الداخل وعلى مساحة الوطن العريضة الممتدة.

ولا شك أن بلادنا واسعة الأرجاء متنوعة التضاريس، مختلفة الأماكن، سواحل ممتدة في الشرق والغرب وجبال عالية في الشمال والجنوب، وتنوع ثقافي واجتماعي وحضاري يزين مساحة الأرض كلها.

بقي الحديث عما يجب أن نعمل لتحسين الفرصة للسياحة في الداخل وما يتطلب الأمر من إصلاح وتعهد لأماكن الجذب السياحي، والترغيب فيها والتعود عليها في مستقبل الأيام، وأهم ذلك تعهد الأماكن التي ستصبح بديلا للسياحة الخارجية، ومنها الطرق التي يسلكها السائحون والخدمات التي تقدمها محطات الطريق حين الحاجة للراحة والتوقف بعض الوقت، فما زالت الطرق بين المناطق في المملكة قليلة الخدمات التي يحتاجها العابرون عليها كالمطاعم النظيفة والمقاهي المريحة والخدمات المساندة التي يدرك الجميع أهميتها للسياح حتى ولو كانت صغيرة، ولكنها متطلبات مهمة للعابرين وهي في الغالب لا تكلف كثيرا من الجهد ولا من المال.

أما أماكن الجذب السياحي في الجنوب والشمال وعلى السواحل الممتدة آلاف الكيلومترات، خاصة سواحل البحر الأحمر، فالحاجة فيها أشد إلى أماكن الإيواء الراقية المريحة والخدمات الفندقية المناسبة للسياح الذين يأتون من مناطق المملكة أو غيرهم من السياح الذين يتوقع وصولهم في السنوات المقبلة من الخارج.

وفي المملكة من الأماكن التي تغري غير السعوديين في زيارة البلاد أشياء كثيرة، ولا سيما في شمال المملكة كمنطقة العلا وآثارها ومناطق الساحل الغربي وما فيها من الآثار التاريخية منذ آلاف السنين قبل الإسلام وحتى اليوم.

هذا العام سيكون عام السياحة الداخلية، وحبذا لو يقوم فريق من الجهات المسؤولة عن السياحة ومرافقها فيجمع ملاحظات السياح على ما رأوا وما واجهوا من صعوبات أو ما وجدوا من نقص في الخدمات التي يحتاجها الناس أو ما يجب من تحسين الموجود منها. فتوضع في الحسبان للتعهد والاستدراك والتحسين والإصلاح.

Mtenback@