مصلح معيض مصلح

واقع الجودة في جامعاتنا وأركانها الغائبة

الاثنين - 13 يوليو 2020

Mon - 13 Jul 2020

مع بداية اهتمام جامعات المملكة بالتصنيفات الخاصة بالجامعات قبل خمس عشرة سنة بدأت التركيز على مفهومي التطوير والجودة، ولهذا شرعت كل الجامعات في إنشاء وكالات وعمادات للجودة والتطوير، ولا شك أنه اتجاه جيد من حيث المبدأ، إلا أن المشكلة التي برزت أن معظم الجهود في هذا المضمار قد انصبت على الجوانب التي تتطلبها تلك التصنيفات، دون الإتيان إلى الأركان الأساسية التي تقوم عليها أي جامعة، بل إن ما تم التركيز عليه قد أفضى إلى تعقيدات في تلك الجوانب المستهدفة، مثل الخطط الدراسية وآليات الاختبارات، مما زاد في هيمنة البيروقراطية بكل سلبياتها على تلك الجوانب، حتى أصبح تطوير الخطط الدراسية مثلا يتطلب المرور بمراحل تعجيزية أفضت إلى عزوف الأقسام العلمية عن تطوير خططها الدراسية.

ويمكن القول بكل ثقة إن الجودة هنا أصبحت هدفا واضحا من أجل الدعاية الإعلامية لإدارات معظم جامعات المملكة، ويؤكد ذلك استضافة تلك الجامعات مسؤولين في تصنيفات الجامعات، وهذا ببساطة يكشف أن الجودة مجرد جسر للارتقاء في سلالم التصنيفات الجامعية.

وفيما يجري التركيز في الجودة على ما تتطلبه تصنيفات الجامعات، تغافلت جامعاتنا عن الأركان الرئيسة للجودة التي بدونها يبقى الحديث عنها مجرد دعايات وتسطيح لمفهومها، والأركان الرئيسة للجودة في الجامعات تتجلى في أربعة جوانب: أولها نوعية الطلاب والطالبات الذين يجري قبولهم في الجامعات، فهم أهم مخرجات الجامعات، والمخرجات لا يمكن أن تكون ذات جودة عالية بينما المدخلات - الطلاب والطالبات - ذات مستويات متدنية.

والحقيقة أن أغلب جامعاتنا فيما عدا جامعتين لا تهتم بالمستويات العلمية للمقبولين والمقبولات قدر اهتمامها بالأعداد الكبيرة في القبول، بل إن الأعداد الكبيرة صارت الهدف وكأنها مفخرة، حتى إن إحدى الجامعات في سنة ماضية أعلنت على موقعها أنها قبلت ستة عشر ألف طالب وطالبة، وهم يمثلون كل من تقدم للجامعة في تلك السنة.

وهذه الجامعات امتلأت بالطلاب والطالبات غير المؤهلين أصلا للدراسة الجامعية، مما أدى إلى التنازل عن تطبيق المعايير المطلوبة في عملية التقييم، وتسهيل اجتيازهم للاختبارات، وهذا الوضع في النهاية بدون شك يسمح بتخريج مستويات متدنية من الطلاب والطالبات يكون إسهامهم سلبيا في مسيرة التنمية، بل سيمثلون ثغرات فيها يصعب التعامل معها في المستقبل.

والركن الثاني المهمل من أركان الجودة الحقيقية في الجامعات يبرز في اختيار أعضاء هيئة التدريس، سواء كانوا مواطنين أم متعاقدين، فبعض إدارات الجامعات تقوم بضغوط هائلة على الأقسام العلمية لقبول من حصلوا على الماجستير أو الدكتوراه من المواطنين، دون مراعاة لمستوياتهم العلمية أو خلفياتهم العملية ومدى كفاءتهم كأساتذة ومدى مناسبة أعمارهم، فقد تم تعيين عديد من هؤلاء مع أن تقديراتهم متدنية في البكالوريوس تحديدا وأعمار بعضهم تجاوزت الأربعين وحتى الخمسين سنة وهم خارج الحقل الأكاديمي، بل إن بعضهم لديه رسوب في بعض المقررات حتى في الدراسات العليا مع أن لائحة أعضاء هيئة التدريس في الجامعات تنص صراحة على ألا يقل تقدير المتقدم للعمل الأكاديمي عن جيد جدا في البكالوريوس وهي اللائحة المعتمدة بأمر سام، ومع هذا تم تجاهل هذا الشرط الهام في العديد من الجامعات، من أجل البروز على الساحة الإعلامية والدعاية باستقطاب المواطنين، أما الأساتذة المتعاقدون فليس هناك أي معيار يتبع في تحديد مستوى درجاتهم العلمية، وهو ما سمح بوجود بعض المستويات المتواضع،ة مما عمق من المشكلات الأكاديمية في الجامعات.

أما الركن الثالث للجودة فهو البنية التحتية للجامعة من مختبرات ومعامل وفنيين، فليس هناك أي تركيز عليها في ترتيبات الجودة الفعلية ولا تدخل ضمنها إلا في حدود التنظير، وهذا مما يحد من اكتمال العملية التعليمية في الجامعات حتى وإن كان بها أساتذة وطلاب متميزون، فالبنية التحتية تمثل البيئة التي من خلالها يستطيع أستاذ الجامعة تقديم ما لديه بأفضل مستوى، ويستطيع الطالب والطالبة في الوقت نفسه الحصول على ما يجب من التعليم المكتمل وبلوغ مصادره الأساسية.

والركن الرابع في رأيي يمثله موظفو وموظفات الجامعة الإداريون، فهم الجهاز المشغل للإجراءات داخل الجامعة ودونهم تكون الجامعة في حالة من التخبط، وعدم كفاءتهم يؤدي إلى الفوضى الإدارية، ومع هذا لا يوجد معايير لاختيارهم من الناحيتين التخصصية والكفاءة الإدارية، فنسبة كبيرة منهم لا يستطيع أحدهم أن يحرر خطابا مقبولا، فضلا أن يحرر محضرا واحدا، ولا يوجد شروط مهنية لترقيتهم كما هو الحال بالنسبة لأعضاء هيئة التدريس، وبالتالي أصبح أغلب هؤلاء عبئا على الكليات والأقسام العلمية بدلا من أن يكونوا عنصرا فاعلا في الحياة الجامعية.أطرح هذه الملاحظات والأفكار عن واقع التطوير والجودة في جامعات المملكة بعد صدور النظام الجديد للجامعات الذي أقره مجلس الوزراء مؤخرا، آملا أن يعالج مجلس شؤون الجامعات الجديد هذه الاختلالات في الوضع الراهن للتطوير والجودة، بالتركيز على كل ما يرتقي بمخرجات الجامعات بشكل فاعل، بعيدا عن الشعارات والدعايات الإعلامية.

@moslehmoied