محمد أحمد بابا

الغوايات الثابتات المتغيرات

الاثنين - 13 يوليو 2020

Mon - 13 Jul 2020

الثابت أن الشيطان كان من (الغاوين)، والثابت أن آدم خالف أمر ربه (فغوى) ثم تاب عليه وهدى، والثابت أن مبدأ الغواية عن الحق والصّرف عنه من سنة الله تعالى في كونه حين أهبط آدم وزوجه وسلط عليهما وعلى ذريتهما الشيطان وجنوده، وملّكهم ربهم غواية بني آدم بالذات وقال (لا يفتننكم الشيطان كما أخرج أبويكم من الجنة).

والثابت أن الغواية مهارة وسلوك شيطاني قدري الوجود حتى يرث الله الأرض ومن عليها، لا ينحصر في أسلوب ولا في جهة ولا وقت، فقد قال الشيطان بأنه متعهد بالغواية والأماني والتغرير عن اليمين والشمال وفي كل هيئة وكل حال، وأقره ربه على ذلك كونا وخلْقا، وما منكرٌ لغواية الشيطان إلا منكرٌ لكتاب الله تعالى، لكن الثابت أيضا أن الغواية بالغواية غوايات، بحيث يتعلم البشر من الشيطان حين أغواهم أساليب يغوون بها إخوانهم من بني البشر كما قال ربي (شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا)، وقال عن الكفار بأنهم (يعبدون الشيطان)، وما حال (السامري) و(فرعون) ببعيد عن هذا.

والمتغير اليوم تلبيس إبليس وتلوين الغوايات حتى لا تكاد تبين للناس، إلا من جعله الله (من عباده المخلصين) الذين ليس للشيطان عليهم سبيل وقليل ما هم، ومن غوايات الأزمان أن الغواية تتطور كما تطورات الثقافات والأفكار والعلم والمعلومات، ليصدق قسم إبليس بأنه لن يبخل بجهد في الوصول للغواية التي ينشدها في بني آدم (فلا تجد أكثرهم شاكرين).

وما الانصراف عن الشكر والحمد قولا وعملا لله تعالى إلا من أعظم علامات الغواية للغاوي ومن أغواه إلا من تاب عليه ربه ورحمه، ليكون لذلك مجال الغوايات مسلكا لكل ضلالات الفكر وشطحات الاعتقاد وإلحادات التدين وتنطع المتشددين وخرافة بعض الفلاسفة على النظرة العامة بأن ذلك محتمل، لا على النظر الخاص بأن هذا أو ذاك منحرف وغاو، ليكون لزاما على من يطلب الصراط المستقيم أن يجعل من مقصد الشارع الحكيم في القرآن حماية بني آدم من غواية الشيطان وجنده بالدين ذي الأصل الجامع المانع الكبير، لا بشيء يمسكه بعض بأفواههم وهم في داخل نفوسهم يعرفون أنه غير ذي صدق ولا مرجعية.

والغواية المتغيرة المتجددة أعظم وأشد فتكا من غواية أصلية عرفها المحققون فاجتنبها أغلب العقلاء، وما حياة الشيطان وإنظاره من قبل ربه إلا ليكون من المتسابقين مع الناسفي استحداث ما يضرهم ولا ينفعهم، وكثير ما أغوى بعض بالخير الظاهر كغواية آخرين بالشر الخفي.

albabamohamad@