عمار براهمية

آيا صوفيا.. بين فتح مزعوم وتوظيف محتوم

الاحد - 12 يوليو 2020

Sun - 12 Jul 2020

تعمد الأتراك منذ أمد ليس بالقريب ممارسة اللعب على عواطف بقية الشعوب المسلمة خاصة العربية منها، ولأنهم مؤخرا أتقنوا العمل بتناقضات مبتذلة هي من صميم أسلوبهم المبني على تغليط معنون بالانتماء والتاريخ، يمكننا الانطلاق من هنا لوضع أسئلة صحيحة لتفسير واقع التوجهات التركية.

لماذا الاستناد إلى الأسئلة لشرح الواقع؟ لأن الإجابات موجودة وواضحة، أما عدم طرح الأسئلة الصحيحة هو المجال الذي لطالما حال دون اهتمامات ضرورية، كما صرف النظر عن تحديات تمكننا من تحليل يتناسب والتجاذبات المحيطة.

هل تحسنت فجأة أحوال المسلمين بفتح آيا صوفيا كما عنون كثير من المتعثمنين لفتحهم المزعوم؟ هل في ذلك فتح إسلامي كما يروجون؟ هل عاد الاستقرار للأوطان المهددة من تهييج مفتعل بأطماع عثمانية أضافت تهديدات للمنطقة؟ كيف لمن يمارس الفتن في محيطنا العربي الإسلامي أن يكترث لجمع شمل أمة سبق أن شتتها وتنازل عن أرضها وشعبها وتركها تواجه مصيرا محتوما فيه استدمار وحملات شرسة لطمس هوية الأمة؟

لماذا هذا التهويل لفتح مسجد أو غلق متحف؟ أم إن وراء ذلك مجرد تغطية لما سبق من عوامل هدمت بها جوامع وصوامع وخربت بيوت للمسلمين وأزهقت أرواحهم في المحيط العربي نفسه وبمساهمة من الأتراك أو بكفالتهم؟ ألم يتعرض الجامع الأموي وغيره من شواهد الحضارة الإسلامية الحقيقية لحملات شرسة موجهة بفتن ودسائس كانوا طرفا فيها؟

هل يعقل أن مداخيل السياحة المعهودة في بلاد الترك أقل أهمية من آيا صوفيا التي هي من معالمها؟ ومع كل ذلك لا غرابة في تأثر البعض بكنيسة آيا صوفيا وتحويلها، لأنها بالأساس كانت مستغلة كمصدر للسياحة وما تحويلها إلى مسجد إلا لمزيد من تغليب عاطفة العثمنة لسياحة أكثر وتغطية أوسع على مساعي الهيمنة والاستغلال لمقدرات شعوب سبق وأن استغلت قبل قرون مضت.

أليس في ازدواجية رسالتهم الدرامية والسينمائية دليل واضح عن عاملي الجذب التاريخي والدرامي اللذين وصل بهما الحد إلى أقصى النقيض من مسلسلات الفاحشة وزنا المحارم، وبين الطرفين عزف على عواطف بعض المتحمسين لتاريخ مزعوم لا يعلمون ولا يدرون عن معاناة أجدادهم إبانه شيئا؟! وتفتيت محتوم لقيم أسر المتأثرين بتفتح اللباس وجمال حريم المسلسلات لأنهم لا يعتبرون لفحوى ذلك من ضرب للأسرة في دينها ثم وجودها؟

أليست جماجم شهداء المقاومة الشعبية الجزائرية 24 المسترجعة في عيد الاستقلال 58 كانت عربون كفاح طويل انطلق منذ 1830 بسبب تنازل العثمانيين عن الجزائر لتواجه عدوا استفرد بشعب أعزل؟

والسبيل للعبرة يكون بالسؤال عن أحقية الافتخار بقرارات أوطاننا وسيادة شعوبنا الحقيقية مقابل العثمنة ودعواتها؟ ومن باب الاستدلال الواقعي وجب الحديث عن أحقية دعم ما بنته الجزائر مكان كنيسة لافجري التي أسسها الكاردينال لافيجري سنة 1914، والتي كانت منطلقا للتبشير والتنصير في شمال أفريقيا بعد أن تخلى عنها العثمانيون، ليكون مكانها الصرح الإسلامي مسجد الجزائر الذي أسس بعد هدم الكنيسة التي كانت تعمل ليل نهار لتنصير الجزائريين.

ألم تشهد هضبة لافيجري (المحمدية حاليا) تهكم الأسقف لافيجري ضد الإسلام والمسلمين بقوله (أين أنت يا محمد؟)؟ ليجيبه الجزائريون سنة 1985 بعد كفاح طويل وتضحيات جسام لنيل استقلال مستحق سنة 1962 ليكون جواب الجزائر قويا ودامغا بتغيير الاسم من لافيجري إلى المحمدية، وفي 31 أكتوبر 2011 وبعد تهديدات وضغوطات كبيرة ظلت فرنسا تحذر من تهديم كنيسة لافيجري إلى غاية سنة 2015، حيث تمت إزاحتها نهائيا وتمت توسعة أرض المسجد التي غير اسمها إلى المحمدية وبني على أنقاضها الجامع الأعظم.

أليس من الأوجب الافتخار بذلك لما فيه من دلالة على النصر والاعتزاز بثبات المبدأ بعد تحرير البلاد من رجس الاستدمار الفرنسي، وللتذكير وزير السكن الذي كان له دور في ذلك سنة 2015 هو عبدالمجيد تبون، فلا استغراب في الهجمات الشرسة على الرجل، والتي كانت سببا للإطاحة به من على رأس الحكومة سنة 2017؟

أليس من الغريب أن يكون في بلادنا من يفخر بمن جعل للاستدمار الفرنسي مكانة وترك البلاد تحت التنصير والتغريب ومختلف محاولات محو الهوية العربية الإسلامية؟

باختصار لن ننسى أبدا أنهم صوتوا ضد استقلال الجزائر من براثن الاستدمار الفرنسي.

وكختام للاستدلال فأحسن القول ما نزل من الذكر الحكيم في سورة آل عمران الآية (96) «إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا وهدى للعالمين»، حيث القبلة نتوجه راجين من الله الفرج والفلاح لإصلاح حالنا بعيدا عن هرج العثمنة وما فيها من مفاخرات لا فائدة مرجوة منها في الواقع.