علي المطوع

لمواليد السبعينات حصرا

الاحد - 12 يوليو 2020

Sun - 12 Jul 2020

جيل السبعينات الميلادية يظل الجيل الأوفر تجربة، ففي كل عقد من الزمان له مواقف متغيرة وأحوال متبدلة، فسرعة التغيرات وتنوعها جعلته يعيشها كحالات مختلفة متباينة بين ما قبلها وما بعدها، وهذا أورثه تناقضا في الأحكام وتغيرا في الرؤى والمفاهيم والقناعات.

تفتحت عين هذا الجيل على حادثة الحرم، كانت الأساطير تُحكى في كل بيت عن فظاعة ما حدث، والأمهات يبكين الصلوات التي عطلت والآباء يتابعون النشرات الإخبارية منتظرين انفراجا في الأزمة يعيدهم إلى الحرم وروحانيته وقدسيته التي دنسها أولئك البغاة، هذه الحادثة يؤرخ بها المؤرخون والمفكرون بداية مرحلة الصحوة التي هي مرحلة بدايات هذا الجيل مع الحياة ومتغيراتها.

قبل ذلك بقليل وتحديدا عام 1979، الثورة الخمينية تستهل مشوارها التدميري في المنطقة ويعود الخميني إلى طهران بعد غياب إجباري في المنفى، المد العروبي في أوجه والعراق ساحته، الحرب مع إيران تشتد، والشرعية التي أعلنها النظام العراقي آنذاك كانت عروبية خالصة، والعدو كان الفرس ومع اشتداد الضرب وسعير الحرب نسمع مصطلح المجوس كونهم أعداء بالفطرة للعرب العاربة والمستعربة سنة وشيعة.

تنتهي العشر الأولى والثانية من عمر ذلك الجيل، وفي الثالثة وتحديدا عام 1990 يفاجئنا صدام حسين بغزو الكويت، في أشد أزمة فكرية يتعرض لها ذلك الجيل، وهنا تسقط العروبة ومدها ومفاهيمها الثورية ويتعرض هذا الجيل لصدمة جديدة تعيده إلى الوراء فكرا وقناعة وتجربة.

تحرر الكويت وتنتهي العروبة وأحزابها وشعاراتها، وبعدها بقليل وتحديدا عام 1991 يسقط الاتحاد السوفيتي وتسقط الشيوعية ويذوب القطب الآخر الذي ناصب العالم الغربي العداء ردحا من الزمن، وتصبح أمريكا سيدة للعالمين الحر والمستعبد.

يدخل العالم إلى الألفية الثالثة وهذا الجيل كعادته يتنقل من حالة إلى حالة ويتنفل الفكرة تلو الفكرة، وهنا يحدث الحدث الأول والأهم في تاريخ العالم وحقبته الجديدة، في عام 2001 أمريكا تُضرب في عقر دارها، وبرجا التجارة ينهاران وأمريكا تعلن الحرب على الإرهاب بسياسة متطرفة متغطرسة، متنها من لم يكن معنا فهو ضدنا، العالم يستجيب ويعلن انضمامه لتلك الحرب، وهذا الجيل مثله مثل غيره ينضوي تحت هذه الفكرة الجديدة ليعيشها ويعيش إرهاصاتها وتداعياتها الماثلة حتى اليوم.

تدخل العشر الثانية من عقد الألفية الجديدة ويصاب هذا الجيل بصدمة جديدة، فالثورات العربية عام 2011 تُشعل، تونس تدشن أول إصدارات هذه (الفوضى الخلاقة)، وتصيب مصر العدوى نفسها، وفي عز الاحتجاجات في الميادين والرئيس المصري يتابعها من غرفة عمليات جيشه، يتمنى أوباما أن يسمع أخبارا سارة تأتيه من القاهرة، وبالفعل تنحى مبارك وفرح أوباما وإدارته الديموقراطية، وصدقت نبوءة وتمنيات السمراء (كوندي رايس).

تمضي السنوات العشر التالية للخراب العربي وهذا الجيل يترنح تحت وطأة المتغيرات العشرية التي تفاجئه كل عقد من الزمان، وتغيره ليبدأ في كل مرحلة أسلوبا جديدا من الأفكار والهواجس والمتغيرات، وهنا تصدمه سنة 2020 بواقع جديد وخبر أكيد أن العالم يترنح تحت مسمى جائحة مرضية جديدة اسمها كورونا، فيتداخل الطب مع المنطق والمؤامرة مع الواقع الحقيقي ويصبح العالم في أزمة غير مسبوقة، فككت دوله من الداخل وشاعت الفوضى واهتزت قيم العالم الحر، وتساقط الناس في الشوارع وازدحمت المتاجر وتتابعت الانهيارات الاقتصادية كل ذلك، وهذا الجيل حاضر يرقب العالم ويأسف على حاله وما آل إليه.

جيل السبعينات جيل أرهقته التجارب لذلك هو متغير في ذاته وقابل للتغيير على رأس كل عقد من الزمان، فما إن يخرج من مرحلة إلا وتستقبله مرحلة جديدة بظروفها وضروبها ومتغيراتها، وهو في كل الأحوال صامد مغامر مقامر، ينتظر اللحظة تلو اللحظة ليعلن انفصاله عن الماضي واستعداده للدخول في الحاضر بكل تناقضاته وتجلياته!

جيل السبعينات - في العالم العربي - لا يصنع الأحداث ولا يؤثر فيها، أقصى ما يمكنه فعله أن يكون شاهدا لها أو عليها وفي الغالب الأعم يكون (كشاهد ما شافش حاجة) كونه لا يرى ولا يسمع ولا يتكلم.

alaseery2@