زيد الفضيل

إحياء الثقافة والمثقف

السبت - 11 يوليو 2020

Sat - 11 Jul 2020

كم هو مؤلم حين أشير إلى أحد حواراتي المعرفية التي تم بثها عبر برنامج «الثقافة اليوم» على «قناة الثقافية»، وأضيف بأن القناة قد تم إلغاؤها، وكم هو محزن حين يسألني أحد عن منصة بث برنامجي «ذاكرة إنسان»، فأجيبه والأسى باد على محياي: بأنها منصة «قناة الثقافية» التي أوقفت بعد مرور عقد ويزيد على إنشائها.

حقا إنه شيء مؤسف أن يشهد جمهرة المثقفين بوجه خاص موت إحدى واجهاتهم المعرفية بأعينهم، على أن الأمر لا يقتصر عليهم، فالإعلام الثقافي يجب أن يكون مشروعا وطنيا، فأمة خاوية من قواعد المعرفة هي أمة لا هُوية لها، وبالتالي لا قيمة لها بين الأمم.

لعل ذلك كان مكنون مداخلتي السريعة مع معالي وزير الإعلام المكلف الدكتور ماجد القصبي حال لقائه الالكتروني بمجموعة من كتاب الرأي، وفيه عبر بعضهم عن استيائه من كيفية إدارة الإعلام الخارجي وسبل مواجهة الصورة المغلوطة عن المملكة، ولا أجد نفسي إلا موافقا لكل ما طرحوه جملة، على أني أرى أن التصحيح لا يكون ابتداء إلا من الداخل، إذ ما ينفعنا أن نهتم بترتيب مجلسنا ونجعله في أبهى حلة، دون ترتيب حجراتنا الداخلية؟ هكذا أرى الأمر دون تنمية للوعي، ولن يتأتى لنا الوعي السليم إلا من خلال المعرفة، والمعرفة الصحيحة تحتاج إلى أوعية وقنوات لتصل إلى مستحقها.

أشير إلى أن الثقافة والمثقف لا يحظيان بأي نوع من الاهتمام المادي المستحق مقارنة بما يحظى به الآخرون، ومن سخرية القدر أن يتم التكرم على مثقف بلقاء إن لم يُطلب منه أن يدفع مقابل ذلك، في مقابل أن يُعطى غيره من مشاهير السناب ووسائط التواصل المجتمعي آلافا مؤلفة من الدولارات مقابل دقائق بث عابرة لا تسمن ولا تغني من جوع. والحال ممتد إلى معدي ومقدمي البرامج الثقافية الذين يشعرون بالامتنان لأنه لم يتم وقف برامجهم فحسب، ويشاركهم في ذلك الألم كتاب الرأي الحقيقيون، وتلك قصة أخرى، أرجو من «الجمعية السعودية لكتاب الرأي» النظر فيها، وأثق في قدرة مجلس إدارتها على تحديد معايير ضابطة لمن يتوجب أن يكون كاتبَ رأي، وهو ما يفي أيضا بما طرحه البعض في تعليقهم حال اللقاء المشار إليه سلفا.

الثقافة ليست أنشطة قاصرة على البعض وحسب، وليست أحاديث ومحاضرات في ندوات مغلقة، وإنما هي حضور متجسد في كل ثنايا المجتمع، ولكون بعض أشكالها قد يكون باهتا كبعض الغذاء الصحي، لكنه مفيد للجسم أيَّما إفادة، فالحال كذلك مع بعض أوجه الثقافة، وكما تحرص ربة البيت الواعية على تغذية أبنائها بشكل سليم، يكون حرص الحكومات على تنشئة مجتمعها أيضا بشكل سليم، وهو ما يفرض عليها دعم مشروعها الثقافي وأوعيته المتنوعة بشكل صحيح، وحتما فقناة الثقافية على رأسها.

تلك القناة التي تم تحميلها أكثر مما يلزم حال صياغة المبررات لإلغائها، ذلك أنها لم تكن لتحظى بميزانية مناسبة لتطويرها شكلا ومضمونا، ولم تجد الدعم الكافي لتدريب عامليها، واستقطاب كفاءات مثقفة للعمل فيها، وبناء ورش عمل دؤوبة لإنتاج برامج ثقافية منوعة، وهو ما أعلنه مرارا مشرفها العام الإعلامي عبدالعزيز العيد، ومع ذلك فقد أدت ما عليها بحضورها اللامع في تغطيتها لعديد من معارض الكتاب والبرامج والندوات القائمة في مختلف أرجاء الوطن. وكان الواجب تلافي أوجه القصور وليس إلغاءها.

من جانب آخر فمن الظلم قياس مستوى المتابعين لأي برنامج ثقافي مع أي برنامج ترفيهي آخر، وفي هذا السياق أستذكر ذلك الحوار الذي جرى وفق ما يُروى بين الأديب الكبير عباس العقاد والفنان الهزلي محمود شكوكو، حين سأل أحد الصحفيين العقاد سؤالا: من منكما أكثر شهرة، أنت أم محمود ﺷﻜﻮﻛو؟

وقتها رد العقاد باستغراب قائلا: مين شكوكو؟ وعندما وصلت القصة لشكوكو عن طريق الصحافي نفسه، قال له «قول لصاحبك العقاد ينزل ميدان التحرير ويقف على أحد الأرصفة، وسأقف على رصيف مقابل، ونشوف الناس حتتجمع على مين»، فما كان من العقاد إلا أن رد قائلا: قول لشكوكو ينزل ميدان التحرير ويقف على رصيف ويخلي «راقصة» تقف على الرصيف الثاني ويشوف الناس حتتلم على مين أكثر.

أختم زفراتي هذه وأقول لمن يقرأ: أعيدوا للمثقف العضوي الفاعل اعتباره، وساهموا في إحياء وعائه الإعلامي، واعملوا على أن تكون الثقافة الصادقة الواعية هي العنوان الذي نتصدر به محليا وخارجيا، وهي رسالتي لمعالي وزيريّ الإعلام والثقافة، فهل إلى ذلك سبيل؟

zash113@