أحمد الهلالي

لا تقعد طفران مقهورا!

الثلاثاء - 07 يوليو 2020

Tue - 07 Jul 2020

منذ وعينا على الدنيا وأسعار الأمس أقل من أسعار اليوم، وأسعار الغد أعلى منها جميعا، وكأن المعادلة الاقتصادية العالمية (القادم أغلى)، وهكذا تزداد صعوبة الحياة على الناس، وتقل فرص امتلاكهم لأشياء كثيرة يحلمون بامتلاكها والتمتع بها هم ومن يحبون.

عالمنا اليوم والمرحلة التي نعيشها لا يتناسبان مع ثقافتنا الاستهلاكية التي تنشأنا عليها منذ الطفرة الاقتصادية، لذلك أصبح لزاما أن نراجع هذه الثقافة على المستويين الاجتماعي والفردي، وأن يبادر أرباب الأسر إلى ممارسة أدوارهم في حياة أسرهم بفاعلية أكبر، وفي حسبانهم أن هذا الدور صعب جدا في ظل تحديات الراهن المعقد، فقد أصبحت سهولة الشراء مقرونة بشح السيولة، وغلاء الأسعار والخدمات، بيئة خصبة لتضخم المديونات.

يجب أن يمارس رب الأسرة دوره في ترشيد نفقاته، ليس من خلال المنع والحرمان، بل من خلال تثقيف أفراد أسرته وتبصيرهم بحكمة وروية وإقناع مبني على المنطق والأمثلة، تسانده في ذلك الأم، وأن يكون لديهما أهداف حقيقية، وهذه الأهداف تختلف من أسرة إلى أخرى، فأسرة هدفها الاكتفاء بدخلها المتواضع وعدم الاستدانة، وأخرى تهدف إلى التقليل من الاستدانة تدريجيا، وأسرة تطمح إلى الادخار من ميزانيتها، وغيرها تسعى إلى زيادة مدخراتها.

ثقافة الادخار ما تزال ضعيفة في مجتمعاتنا، يشكو من صعوبتها كثير من الناس، فهو يدخر مبلغا، وسرعان ما يبدأ السحب منه لأشياء ربما يراها طارئة، وربما لا تكون كذلك، لكن لأن المال قريب منه أصبح لا يتحمل ضغط الظروف البسيطة أحيانا، فيبدأ السحب من المدخرات حتى يصطدم بنفادها بعد فترة، لذا نجد التشجيع على الاستدانة أعلى، باعتبارها تحفظ الأموال، إذ يصبح القسط إلزاميا على المستدين، ويتكيف مع هذا الحال مرغما، في حين لو جعل مبلغ الادخار قسطا لاستطاع توفير أمواله مضافة إليها الفوائد التي يجنيها الدائنون من دخله.

يجب أن نراجع ثقافتنا المالية، فلسنا بحاجة إلى إقامة المآدب الكبيرة كالزواجات والاحتفالات وما شابهها، ولسنا بحاجة إلى السفر أو تحديث الموديلات سنويا، أو الأكل في المطاعم والمقاهي الفاخرة، فمن الحكمة أن نقيد مشترياتنا بالضروري والأساسي مع النزول البطيء المتأني الحكيم نحو الكماليات، وكذلك هندسة فواتير الخدمات على مقاس احتياجاتنا فحسب، ووجوب أن نعوّد أبناءنا على ثقافة ترشيد النفقات والتوازن المالي، فحتى إن كنت مقتدرا وتستطيع أن تعطي ابنك 10 ريالات وأعلى للمصروف المدرسي، فإنك بذلك لا تكرمه وتسعده، بل تغفل عن جانب تربوي مهم في نظرته للمال، فمن المهم أن يعرف قيمة المال، وأهمية الادخار، وأن يعي ثقافة البدائل، ويسير على قاعدة (الأهم فالمهم فالأقل أهمية).

المرحلة التي نعيشها والمستقبل الآتي كلاهما يقول بضرورة إعادة النظر في ثقافتنا المالية، وهي أيضا كفيلة بالقضاء على مظاهر اجتماعية مستحدثة زائفة ليست من أصل ثقافتنا، وستقضي أيضا على ما يعرف اجتماعيا بـ (الهياط)، وستستجد عادات وتقاليد مغايرة، بدأ بعضها يتشكل مؤخرا، مثل قلة الضيوف، فقد أصبحت جل المجالس شبه مهجورة، وحل محلها لقاء الضيف ومضيفه في مقهى أو مطعم لساعة أو ساعتين ثم يذهب كل منهما في سبيله، وستضطر المرحلة السواد الأعظم من الناس إلى مراجعة تكاليف معيشته مرغما، فبادر إلى ذلك قبل أن تتكاثر عليك الضباع، فتقعد (طفران) مقهورا!

ahmad_helali@