سالم الكتبي

السلوك التركي ومسؤولية حلف الأطلسي

الاثنين - 06 يوليو 2020

Mon - 06 Jul 2020

ليس سرا أن حلف شمال الأطلسي يعيش منذ نحو عقدين أزمة هوية تتعلق بدوره وأهدافه في حقبة ما بعد الحرب الباردة، وقد تدارست دول الحلف هذه الأزمة طويلا، ولا سيما خلال الذكرى الخمسين للحلف عام 1999، وسعت للخروج منها بتطوير برامج عمل الحلف وأهدافه في القرن الحادي والعشرين لتشمل مكافحة الإرهاب والتطرف وبناء قوة فضائية والحروب السيبرانية وغير ذلك.

لكن الإحساس بهذه الأزمة لا يزال يخيم على الحلف وتحديدا منذ تصريحات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون التي قال فيها إن الحلف في حالة «موت سريري»، إذ فتحت هذه التصريحات الباب أمام مناقشة دور الحلف، إثر تساؤل الرئيس ماكرون الذي قال فيه «ماذا تعني المادة الخامسة من ميثاق الحلف مستقبلا؟»، وذلك في إشارة إلى التعهد الأساسي للناتو بأن يدافع جميع الحلفاء عن أي عضو يتعرض لهجوم، مضيفا «يجب أن نعيد تقييم الواقع الذي يعايشه الناتو في ضوء التزام الولايات المتحدة حياله».

وهي تصريحات قوبلت بتحفظ من جانب بعض أعضاء الحلف ورفض من بعضهم الآخر، حيث قال سفير الولايات المتحدة لدى الناتو إن بلاده تختلف «بشدة» مع هذا التقييم، بينما قال رئيس الوزراء البولندي ماتيوز مورافسكي إنه «لأمر خطير» أن نشكك في المادة المعنية بالدفاع المشترك عن أعضاء الناتو، وقال لصحيفة «فاينانشيال تايمز» إن ماكرون «لا يشعر بملامسة الأنفاس الحارة للدب الروسي لرقبته».

ما يهمنا في هذه القضية هو واقع الحال الذي يقول إن الحلف لم يستطع السيطرة على سلوك تركيا، إحدى الدول الأعضاء في الحلف، سواء في سوريا أو في استيرادها منظومة الدفاع الصاروخي الروسية «إس 400»، ناهيك عن عجز الحلف عن إيقاف القمع التركي للحريات في أعقاب ما سمي بانقلاب عام 2016، والعلاقات السياسية المتدهور بين تركيا ودول الحلف الأوروبية على وجه التحديد.

أحدث حلقات التغريد خارج السرب الأطلسي من الجانب التركي ما حدث خيرا من «أعمال عدائية» قامت بها زوارق تركية ضد سفينة فرنسية كانت تشارك في مهمة لحلف الأطلسي في البحر المتوسط، في تصرف وصفته وزارة الجيوش الفرنسية بأنه «عمل عدواني للغاية لا يمكن أن يكون من فعل حليف تجاه سفينة تابعة للحلف الأطلسي»، واعتبرت أن «هذه القضية خطيرة جدا في نظرنا... لا يمكننا أن نقبل بأن يتصرف حليف على هذا النحو، وأن يقوم بما قام به ضد سفينة لحلف شمال الأطلسي تحت قيادة الحلف تقوم بمهمة للناتو».

الخلاف الفرنسي التركي تطور إلى تصريحات متبادلة بين قيادتي البلدين على خلفية التدخل التركي العسكري المباشر في ليبيا، وانتهاك أنقرة لالتزاماتها في مؤتمر برلين بشأن الأزمة الليبية، حيث حمّل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون تركيا «مسؤولية تاريخية وجنائية في الصراع الليبي كدولة تدعي أنها عضو في الناتو»، كما اتهمت وزارة الدفاع الفرنسية سفنا تركية بنقل مقاتلين إلى ليبيا، وقيام سفن تركية بمنع فرقاطة فرنسية من تفتيشها في عرض البحر. وانتهى الأمر إلى انسحاب فرنسا من عملية للأمن البحري لحلف شمال الأطلسي في المتوسط بسبب خلافاتها مع تركيا، وقال البيان الفرنسي الرسمي مستهدفا تركيا تحديدا «لا يبدو لنا أمرا سليما الإبقاء على وسائل في عملية يفترض أن يكون من مهامها العديدة السيطرة على الحظر مع حلفاء لا يحترمونه».

هذه الأزمة ليست التحدي الوحيد الذي يواجه حلف الأطلسي، فهناك خلافات أمريكية أوروبية، وهو ما تجسد أخيرا في موافقة الرئيس دونالد ترمب على خطة لسحب 9500 جندي أمريكي متمركزين حاليا في ألمانيا، على أن يجري تقديم هذه الخطة «في الأسابيع المقبلة» إلى الكونجرس ومن ثمّ إلى الحلفاء في حلف شمال الأطلسي، مما يترجم تصريحات الرئيس ترمب التي اتهم فيها ألمانيا بالاستفادة ماليا من الوجود العسكري الأمريكي في أوروبا.

ما يهمنا في هذه القضية أن الحلف الذي يواجه فعليا أزمات عدة قد يكون عليه حسم موقفه حيال عضوية تركيا ومدى التزامها بمسؤولياتها وواجباتها تجاه عضوية الأطلسي، باعتبار هذه المسألة باتت من أهم التحديات التي تواجه قيام الحلف بدوره ومسؤولياته الدولية في المرحلة المقبلة، فالواقع يقول إن تركيا باتت تعمل ضد المصالح الاستراتيجية لدول الأطلسي، بل باتت أحد معاول هدم أمن الدول الأوروبية الأعضاء بالحلف، سواء من خلال ابتزازها المستمر لهذه الدول عبر التلويح بورقة اللاجئين السوريين، أو من خلال تدخلها العسكري المباشر في ليبيا، بما يعنيه ذلك من خطر تدفق المهاجرين غير الشرعيين عبر سواحل المتوسط إلى شواطئ دول الحلف، فضلا عن تهديد مصالح دول الحلف في مياه البحر المتوسط والملف السوري، وسعي تركيا المتواصل للبحث عن دور ونفوذ إقليمي ودولي، بما يتعارض مع أجندة الحلف ومصالح الدول الأعضاء فيه.

salemalketbiar@