عماد عمر طيب

الخبر بين المصداقية والإشاعة

السبت - 13 يونيو 2020

Sat - 13 Jun 2020

عندما نقرأ معلومة أو نستمع لحديث أو نشاهد خبرا في مواقع التواصل فإننا ننقسم إلى فريقين أمام هذه المعطيات.

الفريق الأول يصدق دون تفكير ولا تحليل، ويبادر بالنشر في جميع القروبات دون تثبت ولا حتى تمحيص، بل وفي بعض الأحيان تجد هذا الناشر يطلب من الجميع التعميم بالنشر، وألا تقف الرسالة عنده، وعليه ينتشر الخبر حتى لو كان مغلوطا أو غير صحيح، محدثا بلبلة اجتماعية غير محمودة العواقب.

وقد حذرت الدولة ممثلة في النيابة العامة من مغبة النشر غير موثق المصدر أو غير المثبت، وأن لذلك عواقب وخيمة تصل للغرامة والسجن أو بكليهما معا.

والفريق الثاني هو القسم المتعقل الفاهم الذي يطلب من المرسل مصدر الخبر أو مشاركته بالنقاش وتحليل الفكرة وتمحيصها، بتناول مناحي الخبر وأبعاده وتأثيراته السياسية والاجتماعية والاقتصادية.

فهناك أخبار يتناقلها مرتادو مواقع التواصل، ربما تكون صحيحة ولكنها تسريبات من بعض عديمي الأمانة العملية والعلمية، ولا تصلح للنشر إلا بطريقه احترافية مقننة وعبر قنوات رسمية لكي تصل لجميع شرائح المجتمع بشكل يفهمه الجميع وكما ينبغي، لكيلا تحدث هذه المعلومات والأخبار هلعا وبلبلة ولغطا يؤثر على المجتمع بشكل سلبي.

ومن هذه الأخبار فيديو متداول على نطاق واسع يكرس لنظرية المؤامرة في جائحة كورونا، وأن العالم ستقنن فيه الحياة ليصل عدد الأحياء إلى 500 مليون نسمة فقط، وأن مجموعة صغيرة من البشر ستتحكم في تصرفات كل الناس عبر زرع شريحة ذكية في جسم الإنسان يتحكم فيها عن بعد من قبل البعض.

انتهت الإشاعة المضحكة المبكية، نعم إنها مضحكة لأن محتوى الخبر غير متناسق ولا يدخل العقل ومرفوض شكلا وموضوعا، فلو كان هذا الكلام صحيحا لكان من الخطط السرية التي لا يطلع عليها العوام، بل ينفذ بأجندات منظمة وفق خطط زمنية مقننة، فبذلك رفضت شكلا.

ورفضها موضوعا يأتي من مشاهداتنا ومعايشتنا لما تبذله أجهزة الدولة ذات العلاقة من جهود مضنية للتقليل من الإصابات والوفيات وتحمل الخسائر الاقتصادية الفادحة من أجل حياة الإنسان على الأرض والحفاظ عليها، ورغم أن مملكتنا الحبيبة من أولى الدول التي رفعت شعار الإنسان أولا، إلا أن هناك دولا أخرى حذت حذوها، فمن أين أتت فكرة أن هناك فئة متربصة بحياة الشعوب لتقليل عدد الأحياء؟!

أكاد أجزم أن من يطلق مثل هذه الخزعبلات لا يعي ما يقول أو يصور، وهدفه إحداث نوبة هلع شعبية ليمرر أفكارا سوداوية تعيد البشرية لمربعات تعدتها منذ زمن بعيد.

عزيزي القارئ ليس كل ما يقال يصدق، وليست كل حقيقة قابلة للنشر العام، فهناك أمور لا يجيد التعامل معها إلا المختصون الرسميون والمكلفون من قبل ولي الأمر لكي يقوم هذا المختص بمعالجة الأمر وتهيئته للاندماج في مجريات حياة الشعوب، أما أن يترك الأمر للعوام فهذه فوضى حياتيه لا تكون حتى في البيئة الحيوانية، فرب الكون سبحانه وتعالى نظم الشأن الحياتي لجميع الكائنات، فجعل لكل مجموعة قيادة منظمة ومحافظة على أنظمتها البيئية، فما بالنا بالبشر المتحملين للأمانة الإلهية.

يا سادة اتباعنا لما أنزل الله من ترتيب ونظام سيضعنا أمام أمانة اتباع لا ابتداع.

فلا نقبل كل ما يقال لنا عبر وسائل التواصل على أنها مسلمات ونتولى مهمة نقلها. وبأمر الله جائحة وباء كورونا أمر طبيعي وقد تعرضت البشرية لمثله على مر العصور، وسوف ينجلي هذا الوباء ويزول بقدرة الله ثم بتضافر الجهود الرسمية والشعبية.

فلنقف صفا واحدا خلف قيادتنا بالالتزام بالاحترازات المقررة من وزارة الصحة، واتباع الأنظمة المرعية من الجهات الحكومية ذات العلاقة، وفي الحديث الشريف عن الحبيب المصطفى عليه الصلاة والسلام «كفى بالمرء كذبا أن يحدث بكل ما سمع» حديث صحيح رواه أبو داوود. فعلينا جميعا توخي الحذر والتمعن عند نقل الأخبار غير الرسمية حتى لو كانت صحيحة. أدعو الله العلي القدير أن يعلمنا ما ينفعنا وينفعنا بما علمنا.