زيد الفضيل

قانون أم المؤمنين عائشة

السبت - 13 يونيو 2020

Sat - 13 Jun 2020

مع أحداث لبنان السياسية الأخيرة، وكما هو المعتاد، أراد من في قلبه مثقال ذرة من كره لأي وئام بين الناس، والمسلمين على وجه الخصوص، أن يوسع الشقة ويُثير الشقاق من جديد برميه لغم الفتنة الطائفية بين السنة والشيعة، عبر استثارة الناس بالتعدي على أم المؤمنين السيدة عائشة بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنها وعن أبيها.

هذا الأمر أغضب الشارع السني بخاصة، ودائما ما يجري استدعاؤه بين الفينة والأخرى، ولا سيما حين يُراد أن تتوسع الفتنة، ويزيد الخلاف إلى درجة يصعب معها التوافق، خاصة إذا جُيِّش البسطاء والغوغائيون وضعاف النفوس، وتُرك لهم التدخل في الجانبين، وهكذا تتفجر الأزمة الطائفية من جديد، وينتهي أي حوار سياسي، فليس هناك أي حرمة تقف حائلا أمام الدفاع عن المقدسات، وهل أعز على المسلم من أم المؤمنين زوج النبي صلى الله عليه وآله وسلم لينتفض غضبا ويتقرب إلى الله غيرة وانتصارا.

حتما ذلك حق، ولا خلاف عليه أبدا، إذ ما فائدة الدنيا وعرض رسول الله يهان أو يمتهن، وما قيمة الوجود وهناك من يتطاول على رسول الله أعظم الناس وأفضلهم في صدورنا وديننا، ولذلك فلا عتب على كل من يخرج غاضبا مدافعا عن رسول الله وأهل بيته وأزواجه رضوان الله عليهم أجمعين.

وواقع الحال فذلك مما يتفق عليه الشيعة أيضا، بل إن عديدا من كبار مراجعهم المعاصرين قد أصدروا البيانات والفتاوى الدينية الرافضة التعدي على أي من أمهات المؤمنين بمن فيهم السيدة عائشة رضي الله عنهن جميعا.

ويمكن مراجعة ما أشرت إليه في مواقعهم الرسمية عبر الانترنت، كما يمكن الرجوع إلى كتاب «أمهات المؤمنين رؤية شرعية على ضوء مصادر الشيعة الإمامية» للشيخ حسين المصطفى، وكتاب «السيدة عائشة رؤية شيعية معاصرة» للشيخ حسين الخشن، وغيرهما.

على أن ذلك لم يحد أو يمنع من تجدد عرى الفتنة ومفاصلها مرة أخرى، وسيبقى الأمر مفتوحا طالما النفوس غير صافية، وبحكم ما يثار من نقاط خلاف واختلاف في جوانب متعددة بين الطائفتين، وحتى نغلق هذه الفجوة كليا، ونسد على الشيطان جميع مداخله، أرى أن يتفق علماء وقادة الأمة الإسلامية على استصدار قانون موحد يُجرم كل من يتعرض بالشتم أو الإهانة إلى إحدى أمهات المؤمنين رضي الله عنهن جميعا، ويتم إقراره بالإجماع من كل دول منظمة التعاون الإسلامي، لرفعه بشكل دولي واعتماده على الصعيد العالمي، فيُحاكم بموجبه كل مسلم يتطاول بالنقد الجارح أو الإهانة والشتم لأي من زوجات النبي صلى الله عليه وآله وسلم. وبذلك ينتهي التراشق، ويصبح كل مسيء متعدٍ واقعا تحت طائلة القانون في أي بقعة من الأرض.

ولعمري فكم نحن محتاجون أيضا إلى تفعيل القانون الأشمل الذي يجرم كل ما فيه إثارة للنعرات الطائفية والعرقية، ليس على الصعيد الوطني والإسلامي فحسب، وإنما على الصعيد العالمي أيضا، ولسنا ببعيد عن انتفاضة الشعب الأمريكي القائمة التي ناصرها العديد من الشعوب الأوربية انتصارا للمساواة، ورفضا للعنصرية البغيضة التي أحرقت بلهيبها قلوب كثير من الناس في كوكبنا.

إنه القانون الذي سينظم تفاصيل حياتنا، ويحمي خصوصياتنا وحقوقنا أيضا، ويمنع إثارة كل ما من شأنه إثارة البغضاء والتقاتل بين الناس. وهو ما سيغلق بابا رئيسيا من أبواب الفتنة الطائفية بين المسلمين، فأرجو من علماء وقادة الشيعة، ومعهم إخوتهم علماء وقادة السنة، أن يتكاتفوا لإصدار واعتماد قانون تجريم ومحاسبة كل من يتطاول على أي من أمهات المؤمنين، انتصارا لرسول الله أولا، وغلقا لباب واسع من أبواب الشيطان وقبيله ثانيا، وتحقيقا لقيم السلم الأهلي والمواطنة المسؤولة ثالثا. فهل إلى ذلك سبيل؟

zash113@