نجود الزهراني

حريتي عرجاء

الأربعاء - 10 يونيو 2020

Wed - 10 Jun 2020

كان ياما كان في قريب الزمان في سابق الأمس والأوان قبل عام مضى شهر اسمه حزيران وحقا أنا منه حيرانة، بداية دعني أخبرك عزيزي القارئ ألا تبحث عن نهاية سعيدة للسطور التي أنت بصدد قراءتها، فبالنهاية السعيدة لم يسعد أحد حتى الآن!

أروقة الحماية - مقدمة

تعتبر مكاتب الحماية خط الدفاع الأول للمرأة، الهدف من إنشائها الحد من الظلم والعنف بكل أشكالهما، ويجب أن تكون إجراءات استقبال الشكوى والتعامل معها أكثر فاعلية ووضوحا، وعلى موظفها أن يكون ذا كفاءة عالية ودراية شاملة بجميع القوانين الصادرة عن حقوق الفئات المعنية بها، وأن يمتلك مهارة التواصل الفعال والذكاء العاطفي وإجادة فهم العامل النفسي بشكل خاص لهذه الفئة من المجتمع، وألا يُوكل الأمر برمته إلى الموظف، بل يُتابع من قبل المسؤول لتعزيز الرقابة وضمان جودة سير العمل من خلال وضع مؤشرات للأداء منذ استقبال الشكوى هاتفيا أو حضوريا حتى إغلاقها، بل لا أبالغ إن اقترحت تسجيلها بالصوت والصورة لتتم مراجعتها ومراقبتها.

أروقة الحماية - رؤية من الداخل

مكتب استقبال نسائي في المقدمة، إضاءة أقرب للخافتة بحاجة إلى التجديد، شابة يافعة تبدو عليها الرتابة والملل، ولكن لا بأس لا بد أنه بفعل الروتين الذي ينهش روح الموظف، وأخيرا ممران ممتدان أحدهما إلى اليمين والآخر إلى اليسار.

ذلك أول ما تراه عيناك عند دخولك المقر، ومن ثم يتم توجيهك إلى اليمين لتقديم شكواك أو إلى اليسار للأخصائية النفسية فيما لو اُتهِمت من إحدى الموظفات بالاعتلال النفسي عند مطالبتك بحقك! نعم، قد يحدث ذلك صدق أو لا تصدق!

بين الممرات وأمام مكتب الاستقبال صالة انتظار لن يستطيع الملل التمكن منك فيها، ففيها لن تضطر إلى استراق السمع لتنصت إلى قصص المراجعات ومعاناتهن، فتلك عُضلت عن الزواج وأخرى حُرمت العمل وغيرهن كثير.

ستجد أنك أقحمت حواسك كلها في مكاتب الممر الأيمن لشدة حزنك وتعاطفك معهن أو صدمتك من ردود بعض الموظفات وطريقتهن في التفاوض! نعم التفاوض على إغلاق الشكوى هو شغلها الشاغل وهمها الوحيد، فبدونه ربما لن تحقق الهدف الوظيفي الذي يثبت جهدها، فتجد إحداهن تقوم بدور الجارة «تطبطب» على المراجعة وتنصحها بالصبر والتنازل، وتجد أخرى تلجأ إلى تخويف المراجعة من العواقب وتضليلها عن حقوقها، بإخبارها مثلا أن من حق ولي أمرها منعها من العمل، تخيّل!

بين شكوى وأخرى هناك وقت مستقطع لأكل بعض الحلوى وشرب فنجان من القهوة وكثير من القهقهة و»السواليف» التي لن تتعنى في سماعها أيضا، فأصواتهن تقرع الآذان وتتسرب إلى صالة الانتظار حيث تجلس المعضولة أو المعنفة أو المحرومة بملامح صلبة وقلب مهشّم، حتى جاءت قصة إحدى الموظفات التي كانت تحكيها لزميلاتها في وقت الراحة بمثابة مواساة وعزاء لجميع المراجعات، بل إن قصتها قد تؤهلها للجلوس على كراسي الانتظار أكثر من بعضهن.

القصة

بنوع من الفكاهة تتذمر من زوجها الذي يحملها على دفع راتب السائق ومصروف الأبناء، نافضا يديه من المسؤولية، ويجمع الأموال ليسافر سنويا مرة أو اثنتين، ولم يكتفِ بذلك، بل منعها من السفر مع أهلها حين طلبت منه الإذن، ردت عليها زميلتها: لا بد أنه يحبك ويريد أن تسافري معه فقط، فما كان منها إلا أن ضحكت بسخرية قائلة بأنه من سابع المستحيلات أن يصحبها فهو يفضل أن يذهب مع أصدقائه.

ألفت انتباهك عزيزي القارئ إلى أن هذه الأحداث قبل صدور قرار سماح السفر للمرأة دون تصريح ولي أمرها بأشهرٍ قليلة، أتمنى أن تكون قد تمكنت صديقتنا المسكينة من السفر قبل جائحة كورونا ومنع السفر مجددا.

لا عجب إن كانت هذه الموظفة هي نفسها تلك التي كانت تنصح إحدى المراجعات بسحب الشكوى، وهي نفسها التي قالت لأخرى: انظري لعباءتك «وش زينها»، لتدحض شكواها ضد ولي أمرها الذي منعها من العمل جازمة بأنه «متحرر»، مستدلة على ذلك من سماحه لها بلبس العباءة الجميلة هذه! فكما يقول المثل «كل يغني على ليلاه» وفاقد الحق لا يعطيه.

إذن أين نحن اليوم؟ وماذا بعد؟

شهدنا خطوات واسعة وقفزات كبيرة خلال السنوات الماضية في سبيل حفظ حقوق المرأة، وهذا ما نعوّل عليه في الأيام المقبلة، فالأمر لا يقتصر على القيادة والسفر والعمل، بل نتطلع إلى كفل حقها كاملا في اتخاذ قراراتها الحياتية، دون أن يهدد ذلك سلامتها ويعرضها للضرر أو العنف، ودون أن يعارض ذلك قوانين أخرى لم ترفع عنها بعد، يجب أن تكون للمرأة حقوقها الكاملة، ومن ذلك حق الاختيار جملة وتفصيلا في شأنها الخاص، سواء كان ذلك قيادة أو زواجا أو سكنا أو دراسة أو عملا أو حتى ترفيها! وما لم تُلغ القوانين (كبلاغات التغيب) التي تجعل من حرية تحرك المرأة - في ممارسة حقوقها - عرجاء فلا فائدة ولا طائل يرجى بعد ذلك، وستستمر الأوسمة يوما تلو آخر في الظهور عن ضحايا التسلط الذكوري.

إضاءات

• يجب أن لا يكون خط الدفاع الأول هو سبب فقدان الثقة بالقانون ولجوء الفتيات إلى المحرضين والمغرضين.

• يجب على موظفي الدولة أن يلتزموا بقوانينها، وأن يخلعوا جميع عاداتهم ومعتقداتهم خارج مقر العمل.

• سن القوانين دون متابعة تنفيذها ومراقبة القائمين عليها بأساليب احترافية كارثة.

• إلى كل أنثى: يجب عليكِ معرفة حقوقك، ماذا تنتظرين؟!

آخر دعوانا أن اللهم مجتمعا واعيا متحضرا، لا يمارس أفراده الوصاية بعضهم على بعض، وألا تكلنا إلى من لا يخافك فينا ولا يرحمنا. والله من وراء القصد.

@Dr_Noonaa