برجس حمود البرجس

الإعلام المتخصص

الثلاثاء - 09 يونيو 2020

Tue - 09 Jun 2020

الفراغ الذي يجب أن يُشغل بالأكفاء المتمكنين في الإعلام المتخصص يشغله مجتهدون يصيبون قليلا ويخطئون كثيرا، الإعلام المتخصص في سبات وغياب، والكفاءات الموجودة قليلة ولا تغطي النقص وهذا يساهم في ضعف الطرح المتخصص، والنتيجة النهائية ضعف المحتوى والرسالة وتعذر المشاركة الفاعلة وتحقيق الأهداف.

لدينا نماذج قليلة ناجحة، والبقية اجتهادات تخطئ كثيرا وتصيب قليلا، وأقصد هنا: الإعلام المتخصص الصحي والطبي، الإعلام الاقتصادي والنفطي والعقاري والتنموي، الإعلام الصناعي والتجاري، الإعلام الاجتماعي وسلوك المجتمع والمسؤولية المجتمعية والأعمال التطوعية، الإعلام السياسي، والبقية.

لو تساءلنا عن الطرح الإعلامي التوعوي خلال جائحة كورونا: هل أتت الرسائل من قبل مختصين ومن دراسات أم إن المجال ترك لمجتهدين تضاربت آراؤهم؟ هل استخدم آليات ومستهدفات تناسب شرائح المجتمع المختلفة؟ هل كان هناك أي استخدام لـ «ذكاء الأعمال»؟ ما هي الأدوات التي استخدمت؟

والتساؤل أيضا نفسه في المجال الاقتصادي والتقلبات والمخاوف الاقتصادية والنفطية: هل أتت التوضيحات من مراكز دراسات ومن مختصين؟ هل كانت هناك قراءات تصل للمتلقي ويُستحسن طرحها؟ الجميع يعي أن غالبية ما طرح أتى من مجتهدين في هذا المجال وهم من يجتهد في كل مجال آخر، ومع أنه كان هناك طرح يرتقي لذائقة المتلقي لكنه لم يصل لضَعف الأعداد والمختصين وضعف الأدوات المستخدمة.

تداخلت رسائلنا الداخلية مع الخارجية، فلدينا رغبة في الطرح للداخل دائما حتى وإن كانت الرسائل يجب أن تذهب للخارج، وهناك تفسيران لذلك، الأول غياب الإعلام المتخصص وتبنيه وتطويره وتوفير الأدوات وذكاء الأعمال لذلك، والسبب الثاني هو ميول المجتهدين لتحقيق أهداف ذاتية وهذا لا يجدونه إلا بالداخل.

تركنا فراغا كبيرا في الصحف العالمية في وقت كان يجب فيه أن نتحدث مع بقية دول العالم عن الاستثمار والصناعات وعالم النفط وبرامج دول العشرين وغيرها من تخصصات.

بملء هذه الفراغات يجب أن نتحول من الجهود الفردية إلى الأعمال المؤسساتية.

نحن في زمن أصبح فيه المتلقي أكثر وعيا وثقافة، والتغني بإنجازات لا يطرب المتلقي ليس كرها بها، بل لعدم الاقتناع بالأعمال الفردية والاجتهادات لأشخاص يظهرون وكأنهم متخصصون في كل شيء، والمتلقي يعي ذلك. أذكّر مرة أخرى بأن حديثي عن الإعلام المتخصص.

الإعلام المتخصص ليس اجتهادا، وليس اعتمادا على قراءات فردية صحيحة وعمق في التحليل، بل عمل مؤسساتي ومراكز دراسات وبحوث وتطوير، ودراسات ومنهجيات، وأدوات عملية وذكية، ومعايير لأفضل الممارسات العالمية، وتكامل في المهارات الشخصية مع التمكن العلمي. الإعلام المتخصص ليس انفوجرافكس وموشنجرافكس ولقاءات تلفزيونية، بل تخصص في المعلومة وما يدور حولها ومهارات إعلامية تتناسب مع شرائح المتلقين المختلفة.

يتفق كثيرون على أن العشوائية في الطرح طغت على التميز الحقيقي، ومهما كان لدينا من كتّاب ومدونين ومحللين على مستوى عالٍ، إلا أن كثيرين يجمعون على أن لدينا أعدادا كثيرة ممن يفرضون وجودهم بطرح ضعيف لا يستحق الظهور. وحديثي هنا كمتلقٍ وقارئ وليس ككاتب، فعتبي على المخرجات النهائية وليس على الأفراد.

أتساءل دائما: أين دور الجامعات ومراكز الدراسات والبحوث والتطوير؟ أين دور الجهات المعنية بتطوير الإعلام المتخصص لأعمالها؟ أين تبني التميز للطرح الإعلامي؟ أين دور ارتقاء المستوى المعرفي؟ هل من تَبنٍ لبرامج تطويرية متقدمة تؤهل للقدرة على انعكاس الجهود المتطورة المبذولة في أعمال التحول وبرامج دول العشرين وغيرها من برامج أخرى؟ هل من بناء متكامل للإعلام المتخصص وصناعة المحتوى الذي يفي بالغرض ويحقق الهدف؟

لدينا هيئة للصحفيين ولدينا جمعية كتاب الرأي ولدينا جمعية «إعلاميون»، لديهم اجتهادات بسيطة، نستطيع القول بأنها إقامة ملتقيات وورش عمل وهي جيدة لكن في الأخير اجتهادات فردية تحت مظلة مؤسسات، وتخلو من الدراسات والمنشورات الثرية بالمعلومات والبيانات.

الإعلام ليس مدحا ونقدا، المتلقي أذكى من أن نقنعه بمحاسن أو مساوئ، فقد تشبع من ذلك الطرح الضعيف، وهو يبحث عن إثراء وحقائق، ومحاولة التأثير والإقناع بأدوات ضعيفة وطرح مكرر ليست مقنعة ولا تفي بالغرض. المتلقي متعطش لطرح مقنع ومفيد ويعكس فكرا متقدما.

Barjasbh@