عبدالله المزهر

سلاحك القديم لا يناسب المعركة الجديدة!

سنابل موقوتة
سنابل موقوتة

الاحد - 07 يونيو 2020

Sun - 07 Jun 2020

الكتابة عن كورونا مملة، في الغالب لن يكتب أي جديد، وكلما سيقال سبق أن قيل بشكل أو بآخر، لكن تجاهل أهم أمر يحدث في حياتنا ليس خيارا يمكن القبول به بسهولة، بودي أن أكتب عن أشياء جميلة، وأن أوزع التفاؤل في علب هدايا، لكني أعلم أنكم تعلمون أن هذا كله سيكون مجرد حيل نفسيه يخدع بها بعضنا بعضا.

كل المشاكل والقضايا التي عاصرتها كانت مشاكل مهما كبرت إلا أن نطاق تأثيرها يظل محدودا وأذاها لا يمتد لكل شيء كما تفعل مشكلة كورونا أو الفيروس التاجي أو كوفيد-19 أو أيا كان اسمها.

هذا الفيروس عبث بالصحة والاقتصاد والتعليم والسياسة والرياضة والحياة الاجتماعية، كان له تأثير على العلاقات الدولية والعلاقات الأسرية بقدر متساو، وامتد أذاه للصالح والطالح والمستقيم والمنحرف، تأذت منه المنظمات الإنسانية والعصابات الإجرامية. لم يترك أي شأن له علاقة بالبشر إلا وترك عليه بصمته المؤذية.

ومع أنه لا تلوح في الأفق أي بادرة لنهاية هذا الكابوس، وما زال في عنفوانه وشدته كيوم ولدته الصين، قويا شرسا مخيفا، لكن مع كل هذا فالحديث عنه أصبح مملا، أشعر بالملل من حث الناس على التباعد، وسيرة الكمامة والقفاز مثيرة للغثيان.

الكل يعلم أن الاحتياطات والتباعد هي السلاح الوحيد المتاح في يد الإنسان حاليا في هذه المعركة غير المتكافئة. لكن مع أن الجميع يعلم إلا أن الإنسان أصبح يتململ من أسلحته أكثر من خوفه من عدوه، وبدا ميالا إلى فكرة التعايش مع كورونا أكثر من فكرة تقبل التعايش مع الاحتياطات والاحترازات وأحاديث المسؤولين عن الوقاية. والعبارات التي يحفظها ويعرفها. التأقلم وصل إلى درجة أن الإنسان الذي كان يرتعب في البداية من أعداد حالات الإصابة أصبح الآن يبدو غير مكترث بأعداد الوفيات.

هل أبدو كمن يحرض الناس على التمرد على كورونا وتجاهل تعليمات المختصين وأن كل ما قلته ليس سوى تحريف لقول المتنبي:

لا تلق دهرك إلا غير مكترث

ما دام يصحب فيه روحك البدنُ

فما يُديم سرور ما سُررت به

ولا يرد عليك الفائت الحَزنُ

واستبدلت كلمة «دهرك» ووضعت مكانها الاسم اللطيف «كوفيد-19»؟

إن كان هذا ما ظهر لكم فاعتبروه مثل الكلام الذي تجدونه على مرايا سياراتكم، وأن «الكلمات التي تقرؤونها ليست كما تبدو»، كل ما في الأمر أني أشرح واقعا موجودا ولا أقرر ولا أفترض ما يجب أن يكون عليه الواقع.

لأنك إن لقيت كوفيد-19 غير مكترث فعلى الأرجح لن يصحب روحك البدنُ كثيرا. ولن تطول هذه الصحبة لتعطيك مجالا للحزن على الفائت.

وعلى أي حال..

كل ما يمكنك فعله أثناء صحبة روحك وبدنك هو أن تتفاءل بأن الغد أفضل، هذا هو الخيار الوحيد والمتاح، وبالطبع فإنك يجب أن تؤمن قبل هذا بأنه يوجد غد من الأساس، ولا ضير أن تؤمن بأن الأمر لا يتعلق بك وحدك، وبأن شجاعتك في مواجهة كورونا متجردا من «الكمام» تضر غيرك ممن لا يتحلون بذات الشجاعة أو ممن لم يختاروا دخول هذه المواجهة، سيكون جميلا أن تتخلى نفسك عن صحبة الأنانية وسلاح عدم الاكتراث بالآخرين ولو بشكل مؤقت، ثم عد أنانيا كما تشاء بعد أن تضع الحرب مع الفيروس أوزارها.

agrni@