ياسر عمر سندي

يداك أوكتا وفوك نفخ

الأربعاء - 03 يونيو 2020

Wed - 03 Jun 2020

كثيرا ما تستهويني الأمثال الشعبية، لما لها من الدور المجتمعي الكبير، والأسلوب التربوي عميق التأثير، الذي يدعم الحراك العام نحو هدفه المقصود، ويساعد في تشكيل الرأي الشعبوي باختلافه المحمود والمذموم، ومن هذه الأمثال «يداك أوكتا وفوك نفخ»، ومغزى المثل أن كل ما تقوم به من أمر فأنت مسؤول عنه مسؤولية تامة، و»الإيكاء» هو شد قمة القربة والفوهة لصرة السقاء برباط قماش أو حبل أو خيط ونحوه، و»النفخ» هو إخراج الهواء من الفم.

ومناسبة المثل تعددت فيه الأقاويل، وعلى الأرجح أن قوما قديما كانوا في جزيرة، وكان دونها خليج من البحر، فأتى قوم يريدون أن يعبروا إليهم، فلم يجدوا معبرا، فجعلوا ينفخون أسقيتهم، ثم يعبرون عليها. وكان معهم رجل عمد إلى سقائه، فأقل النفخ فيه، وأضعف الإيكاء عليه والربط له، فلما توسط الماء والهواء يخرج حتى لم يبق في السقاء شيء، وأوشك صاحب السقاء على الغرق، وغشيه الموت، نادى رجلا من أصحابه: أن يا فلان، إني قد هلكت. فقال: ما ذنبي؟ يداك أوكتا وفوك نفخ، فذهب قوله مثلا يتردد إلى يومنا هذا.

والشاهد أن الفترة الراهنة التي نعيشها في ظل جائحة كورونا، أجبرت كثيرين على الوعي والتثقيف، فيما يخص النواحي الصحية، ورفع حالة الحذر لكل ما يؤدي إلى الخطر، والنظر في باطن الأمور يساعدنا كثيرا في التحليلات للتوصل إلى الاستنتاجات، لأي شخص لديه القدر البسيط من الوعي الذي ترمي إليه حكومتنا الرشيدة للحفاظ على مقدراتها، ومواردها ورؤوس أموالها، وأهمها رأس المال البشري، خليفة الله في أرضه - هذا المحرك الصلب الذي أبدعه المصور، وتحدى به ملائكته، بمنحه حرية العقل والتفكر والتدبر، لإعمار الأرض وتنميتها وبقائها، كل فيما يخصه، وما هو ميسر له أن يكون.

وحكومة المملكة العربية السعودية حينما فرضت القوانين والأنظمة الاحترازية المشددة لنحو ثلاثة أشهر، لم يكن هدفها سوى المحافظة على البشر، مواطنين ومقيمين على أرضها، فسخرت كل الجهود الأمنية والصحية والإعلامية، لمنع انتشار كورونا، والآن بعد تخطي مرحلة ذروة الخطر، وتجاوز المنحنى العلمي والمؤشر الطبي، بحسب القراءات والتوصيات لوزارة الصحة، بدأ العمل برفع الحظر التدريجي، لأن الوضع الاقتصادي العام التحرر الجزئي، أما الوضع الصحي والاجتماعي، يلزمنا بالاستمرار للمحافظة على الإجراءات الاحترازية والوقائية، حرصا على عدم الإصابة بالوباء لا قدر الله، لأنه لا يزال في حالته النشطة ولم يتم القضاء عليه تماما.

والدولة رعاها الله عندما سمحت تدريجيا بإقامة أول صلاة للجماعة في المساجد ابتداء من الثامن من شوال الحالي 1441هـ، الموافق 31 مايو 2020، مع الحفاظ على التباعد في الصفوف، والحرص على أن لا تزيد مدة الخطبة والصلاة 15 دقيقة، ومنع الأطفال ومن لديهم أمراض من حضور صلوات الجماعة في المساجد، والغرامة أيضا المقدرة بألف ريال سعودي لمن لم يلبس الكمامة، وعزل مدينة مكة المكرمة، وبعض الأحياء؛ جميعها إجراءات تمثل الأنظمة المفروضة، والقوانين الملزمة من الدولة تجاه الشعب، مع المرونة الممنوحة لهم، كي يتحمل المواطن والمقيم جزءا من المشاركة المجتمعية الواعية.

ومع الأسف ما قام به البعض من الخروج الجماعي في المجمعات ومراكز التسوق وأماكن التنزه، في الحدائق والكورنيش، يشير إلى فقد الوعي وتدني الثقافة، وعدم الاكتراث لخطورة الأمر، وعدم التعلم من الخبرات السابقة.

والسؤال الذي أطرحه على المتهاونين واللا مبالين: أين أنتم من أنظمتكم الشخصية؟ وقوانينكم الذاتية؟

من المفترض أن المدة أو الفترة التي قضيناها في الحظر، ساعدت في رفع درجة الحرص الشخصي على الصحة العامة، وزادت من حصيلة الوعي الذاتي والثقافي لدينا، ومن البدهي أن يتأصل فينا ذلك الاستشعار من خلال الشعار «كلنا مسؤول»، ومن هذه الفترة وما بعدها ليس لأحد أدنى عذر، من الأخذ بالأسباب، فيداك أوكتا وفوك نفخ.

@Yos123Omar