عبدالله قاسم العنزي

هل يتعلم المحامي من كورونا درسا؟

الاحد - 31 مايو 2020

Sun - 31 May 2020

لا يحتاج إلى كثير أمثلة ما يتركه الوضع المالي للشخص من تأثير كبير في حياته، فمتى كان للإنسان ملاءة مالية فإنه يستطيع أن يلبي كل احتياجاته ويعزز وضعه الاجتماعي ويرفه نفسه وأسرته، بخلاف لو كان إنسانا «منتفا»، فهذا ينعكس سلبا على وضعه النفسي والاجتماعي بشكل واضح، فالذي ليس معه دراهم يفر منه القريب والبعيد فرارهم من الأسد، هذا طبع بعض البشر شئنا أم أبينا!

الممثل نجيب الريحاني ممثل كوميدي بارع، مصري من أصل عراقي، ظل فترة في مطلع القرن العشرين فقيرا لا يجد سوى قوت يومه حتى بلغ الستين من عمره، وهو يقول الفن لا يوكل عيش! لكنه قدم مسرحية فضرب معه الحظ، نجحت مسرحيته نجاحا باهرا، يقول متعجبا «يبدو أن المال سهل جدا وكنت أحسبه صعبا، مسرحية واحدة ملأت جيوبي ذهبا»، وهذا حال بعض المحامين، فقد يضرب معه الحظ في قضية واحدة تملأ جيوبه ذهبا، ولكن العبرة بالخواتيم، فبعض المحامين يجلس عاما كاملا لا يطأ عتبة مكتبه عميل واحد، وطيلة هذا العام يأكل من أتعاب تلك القضية المباركة التي جعلته يظن أنه جيف بيزوس أو بيل غيتس!

فيترك الحبل على الغارب للمصاريف طالما المال في نظره كثير ولا ينقص، فيسود الإسراف في سلوكه وسلوك من يعول، ظنا منه أن الحال تدوم بهذه الحلاوة!

هذا الثراء الذي يمر به بعض المحامين بين عام وآخر من وفرة في المال، هو ثروة ورقية خالية من العقل الاقتصادي خالية من النظرة الشمولية والواقعية للحياة، فالمشكبة في الشخص الذي لا يستطيع أن يولد المال بالمال، مهما ملك من صفقات هي في حقيقة أمرها ثروة ورق تزول مع مرور الوقت ويقضي عليها الترف والإسراف.

وأعود إلى قصة الفنان نجيب إلياس ريحانة الشهير باسم نجيب الريحاني، بعد تلك المسرحية عاش عيشة الباشوات، واعتاد سلوكا مكلفا ثم بدأ المال ينقص شيئا فشيئا ولا يلبي بعض مظاهر البذخ التي اعتادها، فبدأ يستدين لكي يشبع رغباته، ويعد من يستدين منه بأنه سيقدم مسرحية جديدة وإذا تقاضى أجرتها سدد للمدين، ولكن الذي يظهر أن الريحاني مرت عليه سنين كسنين يوسف، لا مسرحية ولا فيلم، كلها أضربت بسبب الحرب، فقد ألقت الحرب أوزارها وعصفت بالناس كما عصف بنا فيروس كورونا، ولم يعد يهم الناس الضحك أو الترفيه، الكل ينظر كيف المخرج من الحروب والأزمات.

وهذه هي حالنا اليوم، فالمحاكم والدوائر الحكومية والشركات تعطلت بسبب الإجراءات الوقائية، فالإنسان الآن أهم ما عليه هي صحته وسلامته من هذا الفيروس الذي عبر القارات وأفسد الحرث والنسل.

المحامون أعمالهم مرتبطة ليس بمشاكل الناس بل بمصالحهم، وبما أن هذه المصالح توقفت وأجلت إلى إشعار آخر، فإن قطاع المحاماة تأثر بصورة كبيرة من هذه الأزمة، وتضرر كثير من المحامين ليس بمجرد دفع أجور وغيره، بل بانقطاع الدخل المادي في هذه الفترة بصورة كلية.

الذي أريد أن أصل إليه أننا جميعا مطالبون بإعادة النظر في عاداتنا المكلفة، والاكتفاء بما هو ضروري في حياتنا اليومية، وأن لا ننساق خلف المظاهر الزائفة والمجاملات الكاذبة، فمن المحال دوام الحال، ويجب أن نتعلم كيف نتعامل مع المال بعقلية الاقتصادي الذي يعرف كيف يدخر المال ويستثمره وينميه. وإلى حديث آخر وكل عام وأنتم بخير.

expert_55@