عماد عمر طيب

لمن الفتوى

الاحد - 31 مايو 2020

Sun - 31 May 2020

هناك فكرة تختلج في رأسي منذ سنوات، مبدؤها تساؤلات عدة لو تركتها دون إجابة لما وصلت للاقتناع بما سأكتبه اليوم.

نعرف جميعا أن مصادر التشريع في ديننا الحنيف أربعة مصادر: القرآن والسنة النبوية والإجماع والقياس.

ونعي تماما أن كل مصدر منها يحتاج لعالم أمضى سنين من عمره في استقاء المعلومات الشرعية وتحليلها لكي يصدر فتوى من خلال أحد هذه المصادر الأربعة، ولا يستطيع أي شخص عادي أن يربط الحالة بالنص، إلا إن كان عالما وليس طالب علم.

فنحن لا نثق تماما بطالب كلية الطب الذي لم ينه دراسته ونسلمه أبداننا ليعالجها أو يجري لنا عملية جراحية لأن علمه لم يكتمل، وقس عزيزي القارئ على ذلك، فلماذا نقبل فتوى من طالب علم شرعي وهو لم يكمل إجازته العلمية على الوجه المطلوب؟

التصدي للفتوى لا يكون إلا للعلماء الثقات الذين يستطيعون تطبيق النص على الحالة بشرطيها الزماني والمكاني، لأن ديننا الإسلامي صالح لكل زمان ومكان، مع مراعاة الظروف الحياتية لكل زمان ومكان، فما أعظمه من دين لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.

ولكن من الملاحظ في الآونة الأخيرة أن كل من لف العمامة على رأسه سمي عالما، ويستفتى ويفتي بغير علم، ولأن فتواه غريبة ومثيرة في محتواها ومخالفة لما عرف، يصبح مشهورا ويمتطي كراسي البرامج التلفزيونية ويتشدق بما يعلم وما لا يعلم، والمصيبة أن جمعا من جهلة العلم الشرعي والمذبذبين يتبعون أمثال أبوعمامة مزيفة لكي يفرحوا برخصه المريحة، وقد قيل من تتبع الرخص تزندق، ومن ثم يصل الإنسان لمرحلة الانسلاخ من الدين والعياذ بالله، والسبب تصدي من ليسوا أهلا لهذا الأمر الكبير والعظيم.

كما أسلفت أن مصادر التشريع الأربعة تحتاج لعالم يربطها بحال الفتوى والمستفتي، وفق منهج رباني يستقى من أول رجل نزل عليه شرع الله، وهو رسولنا الكريم عليه الصلاة والسلام ثم صحابته الكرام عليهم رضوان الله، ومن يليهم بتوال صحيح وصولا إلى علمائنا الحاليين، مثل مفتي البلاد وهيئة كبار العلماء، وتكون الفتوى لهم ولا تقبل من غيرهم، ويكون جميع طلاب العلم وأئمة المساجد ناقلين لفتوى العلماء وليسوا معدلين لها.

وهنا تكونت لدي الفكرة التي أسكتت كل التساؤلات في رأسي، وهي أنه يجب علينا جميعا كمسلمين عدم استقاء المعلومة والفتوى الدينية إلا من مصدرها الصحيح، ومنبعها الصافي المستند لمصادر التشريع المفسر من أهل العلم والدراية.

أخيرا، أهيب بشبابنا وشاباتنا إلى التريث وعدم الاندفاع في أمر الدين، وأقول لكل منهم: اترك العلم الشرعي يصقل شخصيتك، ولا تحاول أن تصقل العلم الشرعي على قالب شخصيتك، لأن الأخيرة مشكلة تشتت مفهومك، وتجعلك تضل الطريق حتى تصل لمنزلق التشدد المذموم، فنحن أمة نظام وترتيب وديننا الإسلامي ينظم حياتنا من جميع الجهات، فهو منهج متكامل لا يحتاج لتعديل ولا تطوير، فإعجازه في أنه يطور نفسه بنفسه دون تدخل بشري لأنه منزل من رب البشر.

فلنترك أمر الفتوى لأهلها، ولندع طلاب العلم يسلكوا طريقهم دون إعطائهم أكبر من حجمهم، حتى يصبحوا علماء متبحرين، وعندها يا مرحبا بفتواهم وتوجيهاتهم.

@Emad21209