عبدالله المزهر

المنفي لا يأكل اليورانيوم..!

سنابل موقوتة
سنابل موقوتة

الخميس - 21 مايو 2020

Thu - 21 May 2020

ماذا لو أنك قررت طواعية قبل أن يبدأ هذا العام أن تنزوي وتعزل نفسك في مكان بعيد، في جزيرة تشبه تلك التي سقطت بقربها طائرة توم هانكس في فيلمه الرائع Cast Away، وعشت الفترة الماضية بعيدا عن وسائل التواصل ونشرات الأخبار، لا يصلك خبر لم تسع إليه ولا تحشر التحذيرات والتطمينات في رأسك بالقوة المفرطة.

أظن ظنا يشبه اليقين أنك ستكون بمعزل عن الخوف، لن تجتمع في رأسك عشرات الأخبار المتناقضة والروايات التي يدحض بعضها بعضا.

الميزة الأهم أنك لن تكون على علم بفيروس كورونا، ستنجو من أخبار منظمة الصحة العالمية التي تعبث بالعقل والبدن أكثر مما يفعل الفيروس المستجد، لن تنشغل بانتظار موعد الانحسار الذي يأتي بعد الانتشار، ولن تخيفك الأرقام المكتوبة باللون الأحمر. لن تجد من تجادله في قضية لبس القفاز والكمام، وهل هما ضرورة أم إنهما مجرد أدوات لتعزيز الطمأنينة ككلمات المواساة التي لا تعيد راحلا ولا تشفي مريضا ولا تجبر مكسورا، ولكنها تعطي شيئا من الراحة النفسية وتساعد في تقبل الوضع الذي لا يمكن تغييره.

لو كنت هناك لما سمعت من يقول إنها غير مهمة، ثم سمعته في اليوم التالي يقول إنها ضرورة للبعض وغير مهمة لآخرين، ثم يخبرك في اليوم التالي أنها من أهم وسائل الدفاع التي عرفتها البشرية وأن القفاز هو من سينقذ الكوكب.

لم تكن - على الأرجح - ستسمع أن الفيروس لا ينتقل عن طريق التلامس ثم تثبت دراسة في اليوم نفسه أن لمسك لأي شيء يعني هلاكك المبين.

ستكون في وضع لا يسمح لك بالتفكير في ساعات الحظر، ولماذا يجب أن تتوقف عن الحركة في ساعة معينة، هل الفيروس كائن ليلي ينام في النهار، ويستيقظ عند الساعة الخامسة ليبدأ رحلته في التنقل على أسطح الأشياء ومقابض عربات التسوق؟

وثق أنك لن تحتاج لمرونة لتساعدك على سرعة الانتقال المفاجئ بين الفرح بأخبار تقول إنهم قد وجدوا لقاحا، والحزن بعدها بدقائق حين تسمع أخبارا أخرى تقول إن اكتشاف لقاح للفيروس أمر ربما لن يحدث.

لن تفزعك أرقام الوفيات، ولن يحيرك أمر بعض الدول التي لو كان الفيروس قاتلا لما بقي فيهم مخلوق يتنفس بسبب طبائع أهلها وطريقة حياتهم المفرطة في «التقارب»، في الوقت الذي تخشى فيه من زيارة أمك حتى لا تؤذيها.

لن تكون مهتما بعبارة «ما بعد كورونا ليس كما قبله»، ومن المؤكد أنك لن تستخدم كلمة «الجائحة» وأنت تعد وجبتك التي لم تستلمها من مندوب التوصيل وهو يرتدي قفازات وكمامات وكأنه يعطيك وجبة «يورانيوم».

وعلى أي حال..

وأنت تقرأ هذا المقال فإنك لسوء حظك وحظ كاتبه لستما بمعزل من كل هذا، وأنتما معا تواجهان سيلا من الأخبار لا قبل لكما به، وتحلم كما يفعل كاتب المقال أن يكون التباعد بين الإشاعات والحقائق لأنهما يختلطان ويسيران جنبا إلى جنب بطريقة تجعل عدوى إحداهما تنتقل إلى الأخرى أسرع مما يفعل الفيروس سيئ السمعة.

agrni@