فيصل الشمري

اختطاف التسامح

الأربعاء - 20 مايو 2020

Wed - 20 May 2020

هل تعرف ماذا يعني «التسامح»؟ في عالمنا الحالي إذا كنت تعرف معناه فأنا أرفع لك العقال، لأنه لم يعد لدي أي فكرة ماذا يعني التسامح.

كنت في الماضي أعرف ولكن الآن وبفضل اليسار الدولي فإن الكلمة أصبحت لا تمثل معناها. الواقع أسوأ من ذلك، التسامح يعني الآن عكس ما كان يعنيه في السابق، التسامح يعني الآن التعصب، والتعصب يعني التسامح! عجيب صح؟

إن كونك «متسامحا» اليوم يعني ببساطة أنك توافق على المواقف السياسية والقيم اليسارية، عندما تختلف مع اليسار حول أي موضوع - وأعني أي موضوع - فإن اليساريين الذين يدعون أنهم متسامحون لا يهاجمون موقفك، بل يهاجمونك. إنهم يصمونك بـ: متعصب، غير متسامح، عنصري ضد الأجانب، ضد المثلية، رجعي وعنصري ومتعصب.

من الواضح أن هذا ليس معنى التسامح، هذا تعصب صارخ. المتهمون مذنبون بفعل الشيء نفسه الذي يتهمونك به. إليك ما يفتقدونه: لكي تكون متسامحا حقا مع شخص ما يجب عليك أولا أن تختلف معه لأنك لا تتسامح مع الأشخاص الذين تتفق معهم. التعريف الكلاسيكي «للتسامح» يعني التعرف على معتقدات وممارسات الآخرين واحترامها دون مشاركتها، وهكذا كانت الليبرالية قديما قبل أن تتحول إلى اليسارية العقائدية المتطرفة.

لاحظ أن عنصر الخلاف هو مفتاح التسامح، فنحن لا «نتسامح» مع الأشخاص الذين نتفق معهم لأننا في الجانب نفسه! نحن فقط «نتسامح» مع الأشخاص الذين نختلف معهم ولكننا ما زلنا نختار التعامل اللائق والاحترام. هذا المكون الحيوي للتسامح الحقيقي مفقود تماما في الصوابية السياسية. في الوقت الحاضر إذا كنت تختلف مع الآخرين بشأن قضايا حساسة ثقافيا مثل المعتقدات الدينية يجري تصنيفك على أنك غير متسامح بغض النظر عن كيفية معاملتك لهم.

جرب أن تعلن في تويتر أن الاختلافات بين الجنسين حقيقية، كما فعلت الروائية كاتبة سلسة كتب هاري بوتر السيدة رولينج، وانظر ماذا سيحدث، سيقول اليساريون إنك معاد للحداثة ورجعي. حدث الشيء نفسه لنجمة التنس الأسطورية والنسوية مارتينا نافراتيلوفا، عندما قالت إنه من غير العدل أن تضطر النساء للتنافس ضد الرياضيين المتحولين جنسيا أي الرياضيين الذين يقولون إنهم أنثى لكنهم ليسوا كذلك بيولوجيا.

وفقا لليسار فإن جميع الأفكار لها قيمة متساوية، فلماذا رولينج ومارتينا نافراتيلوفا فجأة اتهمتا بالكراهية؟ لأن اليسار لا يؤمن بخطابه الأساسي وهو التسامح.

ما فعله اليسار هو إعادة تعريف التسامح بذكاء، ليعني «الاتفاق مع وجهات النظر اليسارية». لم يعد التسامح يعني معاملة الناس بروح واحترام حتى عندما نختلف معهم. باسم التسامح حاليا يسيطر اليسار على كل الأفكار المختلفة ويغتال اجتماعيا من يعترض ذلك، يعرّف أي تناقض في وجهات النظر اليسارية بأنه غير متسامح، لكن ضروري أخلاقيا ومنطقيا، فكر في الأمر، كل الأفكار، جميع السلوكيات ليست صالحة بالتساوي، والمناقشة والخلاف والنقاش هي التي تعلمنا كيف نفرز الجيد من السيئ، الحضارة تعتمد على ذلك.

اعتقدت حركة إلغاء العبودية في أمريكا أن حججها وأهدافها وأسبابها كانت أفضل من الحجج المؤيدة للرق، اعتقد المناهضون للشيوعية أن الحرية كانت أفضل من الشيوعية، لا يتطلب التسامح أن نتعامل مع جميع الأفكار على أنها ذات قيمة متساوية، التسامح الحقيقي يعني أننا نتعامل مع جميع الناس على أنهم متساوون في القيمة، بلطف وحنان وبحرية التعبير عن أفكارهم حتى عندما نختلف معهم. هذا هو التسامح الحقيقي.

mr_alshammeri@