ياسر عمر سندي

بأسعد حال ستعود يا عيد

الأربعاء - 20 مايو 2020

Wed - 20 May 2020

عذرا متنبينا الملهم العظيم، فمطلع قصيدتك «عيد بأية حال عدت ياعيد»، التي أورثتها لمن بعدك يرددونها أجيالا بعد أجيال، كلما اقتربت ليالي العيد وتبينت عصاريها تجدهم يرتبطون بها ارتباطا شرطيا، وعندما يطرأ ما يهم الأمة ينبعث أشخاص يرددون هذا المطلع بإسقاطاته لحالته النفسية المحبطة آنذاك، والتي لا ينبغي اجترارها، ولا إعادة طرحها قبل كل عيد، فالعيد تجديد بكل الأحوال، وسيعود بأفضل حال.

لست من المنغلقين المتشائمين حد الإحباط، ولا الفرحين الخارجين حد الانفلات، ولا المهووسين الماديين الذين يلهثون وراء الملموسات والشكليات، من كماليات المشتريات والاحتفالات، ودائما ما أتبنى المدرسة العقلانية الواقعية للحياة، فلا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء، فأتعمق في جماليات المواقف والأحداث والشخوص والذكريات الجميلة الراسخة من صندوق ذاكرتي البعيدة.

منذ طفولتي الواعية لم يدر في خلدي يوما أن أنتظر العيد لفرحة العيدية، أو لاستجداء الهدية، ليس لكوني مختلفا عن أقراني في مرحلتي العمرية المنطلقة، أو لأني متمرد على واقعي الطفولي، على العكس تماما من ذلك، فنظرتي للعيد مختلفة.

كنت وما زلت أتأمل في العيد على أنه نقطة للتحول السلوكي مع الغير، ومنعطف للتجول الذاتي مع النفس، واستراحة محارب، فخوض الملحمة الرمضانية لمدة شهر بحد ذاته جهد مبذول ننتظره وينتظرنا لإتمامه من صيام وصلوات وعبادات، ناهيك عن الاستنفار المنزلي للماراثون السنوي من صنع الأنواع العديدة للمأكولات والحلويات، والتباهي فيما بين السيدات تحديدا في شهر الخيرات، وكذلك هو الحال خارج حدود المنزل، مما يحدث من كرنفال رمضاني لطقوس البيع والشراء واختلاف الأوقات بزيادة السهر حتى تباشير الفجر.

وهذا المشهد يتكرر علينا من كل عام ويعيد أحداثه بالتمام، كشريط سينمائي يتكرر حتى آخر يوم من رمضان، حتى الإعلان الرسمي لرؤية هلال عيد الفطر وأيامه المباركة.

وهذا العام يبدو كأنه جاء على غير عادته، مجردا من جميع الأحداث سالفة الذكر، إضافة إلى التوقف عن أداء صلوات الجماعة والجمعة والتراويح في المسجد، وأداء مناسك العمرة، ناهيك عن الأمور الأمنية والصحية التوعوية والاحترازية الحالية، كقرارات حظر التجول، والتباعد الاجتماعي، وغياب الطقوس الاجتماعية المصاحبة لرمضان، وانعدام الخروج إلى الأسواق، وبعثرة أجندة المشتريات وكسوة العيد، وتوقف محلات الشوكولاته عن مشاركة المجتمع أفراحه، وحتى إن وجدت تلك المشتريات فإنها تحدث بأساليب خجولة والكترونية وبالشراء عن بعد.

ومن وجهة نظري النفسية والاجتماعية، أرى أن الوضع الراهن ينظر إليه مجتمعنا ومعظم المجتمعات العربية والإسلامية بنظرة النقص أو عدم الاكتمال، بسبب مقارناتهم بما كان وبما نحن عليه الآن، وما كان يحدث أيضا من مجريات سابقة في هذه الفترة، من تجهيزات واستعدادات حصلت في العام الماضي، والتي لا تزال عالقة بذاكرتهم القريبة، والتي لم يمض عليها سوى 12 شهرا.

والأمر كذلك على التجار وأصحاب محلات الملابس والأحذية، ومراكز التسوق الكبرى، والخياطين والحلاقين ومحلات الألعاب والمتنزهات والشاليهات، ومن ينتظر تحقيق مكاسبه في هذا الموسم؛ قد يصابون بشيء من الخذلان واضطراب شديد لديهم في المنحنى النفسي جراء الخلل الحاصل بالميزان المجتمعي والاقتصادي.

كل هذه الظروف المادية ربما قست على المجتمع، والتي أتت على ما لا تشتهيه سفنهم المبحرة، ولكن تظل في أرواحنا تلك الظروف المعنوية الكامنة؛ والتي لا تمنعنا من الفرح بعيدنا وتجديدنا لأنفسنا ونحن سالمين غانمين بعد شهر الغفران والعتق من النيران، فالعيد حالة شعورية خاصة من التخاطر الوجداني والروحاني مع أسرتنا وأحبابنا، ومن هم معنا ومن فارقونا، لنقضي أوقاتنا نستجدي من خلالهم نسائم السعادة، فنكرم أزواجنا وأبناءنا وأحفادنا وإخواننا، ونستبدل ذلك الانغلاق الشديد بالانفتاح والتجديد، ونستشعر هذه الفترة بأنها سنة الله في أيامه يقلبها كيفما شاء، فليس مع العسر إلا اليسر، وسنبقى نلهج بألسنة التفاؤل والخير الحاصل، ونسعد أنفسنا أملا ونغمرها حبا.

وكل عام وأنتم بأسعد حال وستعود يا عيد بأجمل الأحوال.

Yos123Omar@