عبدالله المزهر

لا يا زمن..!

سنابل موقوتة
سنابل موقوتة

الاثنين - 18 مايو 2020

Mon - 18 May 2020

لا أنكر أن للأعمال الدرامية الخليجية جمهورها وإلا لما استمرت في الإنتاج السنوي وبهذه الميزانيات الضخمة، إلا أن كان منتجوها يخسرون ولكنهم يضحون بأموالهم من أجل رسالة الفن، وهذا أمر مستبعد بطبيعة الحال، وبالمقاييس المادية فإن الكل كاسب في هذا المجال. الممثلون والمنتجون والفنيون والدكاكين القريبة من أماكن التصوير.

ولكن لحكمة أرادها الله فإني لست من محبي الدراما الخليجية، وأجدها في غالبها مثيرة للسخرية، ومضحكة حتى وإن كان كل من في العمل يبكون بحرقة من أجل الشركة التي تم «بوقها» أو من أجل خيانة جاسم المتوقعة منذ الدقيقة الأولى في الحلقة الأولى.

في هذا الموسم ولظروف الحجر المنزلي وللضجة التي أثيرت حول العمل الخليجي «أم هارون» قررت مشاهدة عدد لا بأس به من حلقاته من باب الفضول. اسم المسلسل وقصته يبدوان جديرين بالمتابعة، سيكون حدثا جديدا ولافتا أن أشاهد الفنانة القديرة حياة الفهد تعود في دور لا تتمسح فيه بالجدران وهي تبكي من ظلم الآخرين.

لكني توقفت عن متابعة المشاهدة حين بدأ يتضح لي جليا أن كل الشهرة التي حصل عليها العمل كانت بسبب قضيته، أما حبكته الدرامية وأداء ممثليه وإخراجه والسيناريو فهي لا تختلف عما شاهدته في السنوات الأخيرة من الأعمال الخليجية. وأستثني من الممثلين عبدالمحسن النمر لأنه يمكن أن يمثل باحترافية حتى لو كان يقرأ النص من جريدة. وأنا هنا أتكلم عن الأداء دون الدخول في تفاصيل بعض العبارات التي وردت على لسان الشخصية التي يؤديها مثل قوله: إن اليهود يعانون تحت الظلم والإهانة منذ فتح خيبر. وهي باقعة لم أجد لها تصريفا منطقيا حتى هذه اللحظة، وإذا كانت فكرة المسلسل تدور حول «التعايش» فإن قناعة اليهودي بهذه الفكرة تعني أنه لم يكن مؤمنا بالتعايش من الأساس أو أن فكرته عن التعايش تعني أن نتخلى حتى عن مواقف اتخذها محمد بن عبدالله عليه أفضل الصلاة والتسليم، وهذا وحده كاف لأن يقول بأن التعايش غير ممكن، وهو عكس ما يريد المسلسل أن يغرسه في العقل اللاواعي للمشاهد.

والحقيقة أن فكرة البحث عن قضايا المظلومين والمعاناة البشرية تنجح العمل الفني - أي عمل - وتغطي على بعض عيوبه، ولا أعلم كيف فكر منتجو العمل في البحث عن معاناة مصطنعة للحديث عنها مع أن الأقربين أولى بالمعروف، لو تحدث المسلسل عن قصص من حياة «البدون» لوجد من المعاناة ما يمكن أن يجعل القديرة حياة الفهد تلتصق بجدران موقع التصوير إلى الأبد وهي تبكي، بل إن أداء كثير من طاقم العمل سيكون أكثر إقناعا لأن بعضهم من هذه الفئة. وبدت لي الصورة النهائية في هذه النقطة مضحكة حين يجسد ممثل معاناة غير حقيقية لآخرين من باب حرية التعبير والفن، ولكنه لا يستطيع تحت سقف هذه الحرية أن يجسد معاناته هو شخصيا.

وعلى أي حال..

أتمنى أن تكف الأعمال الخليجية عموما والسعودية بشكل خاص عن فكرة «توجيه الرسائل»، لأنها في المحصلة النهائية تبدو رسائل مسيسة ومضحكة ومباشرة بما لا يليق بعمل فني، نريد أن نشاهد أعمالا فنية مبهرة في كل مقومات العمل الفني، قصةً أو رواية عظيمة وسيناريو يحترم عقل المشاهد، أداء مقنعا من الممثلين، إخراجا يستحق ما يدفع في هذه الأعمال من أموال، ثم لتكن القصة عن حياة البطاريق في القطب الجنوبي، أو عن قصة بائع خضار في فنزويلا، لسنا مهتمين بالرسائل ولستم أهلا لتوجيهها.. والسلام.

agrni@