فيصل الشمري

«التخوين» ظاهرة التعدي على الدولة!

الخميس - 07 مايو 2020

Thu - 07 May 2020

ما هو الوطن؟ سؤال طرحه أستاذ جامعي على طلابه في إحدى الجامعات الأمريكية. بقدر ما كان السؤال سهلا إلا أنه عميق في معناه.

كنت أحد الحاضرين في تلك القاعة الدراسية، تلقيت الدهشة كغيري من الطلاب. ساد الصمت على الجميع: البرازيلي، كنتالصيني، الأمريكي، العربي، السعودي، والبقية الباقية من جنسيات الطلبة الحاضرين. جميعنا ارتسمت في مخيلاتنا صورة الوطن ورفرفة الأعلام، يا ترى ماذا يقصد الأستاذ بسؤاله؟ هل يريد استثارة عواطفنا؟ أم يريد بخبث أن يدفعنا لنستنقص من أوطاننا؟ سأرى ماذا يريد وكيف ستكون إجابات الطلاب.

الوطن ليس مجرد ثلاثة أحرف وكلمة، الوطن هو الروح التي لا يأخذها إلا بارئها، الوطن هو الأول وهو المبتدأ وهو الخبر وهو الأخير، الوطن هو الجغرافيا وهو التاريخ وهو الماضي والحاضر والمستقبل، الوطن هو أنا وأنت وجدي وجدك، الوطن هو ما أثار قريحة الشعراء وتغزل به الأدباء، الوطن هو الأرض التي سالت عليها دماء الموحدين من أجدادنا، لن تكفيه محاضرة ولا محاضرتان لأصف وطني.

هذه الروح الوطنية التي سادت طلاب الفصل الدراسي أوقدت من نار المحاضرة وجعلتها أكثر حماسة. تعلمت أن الأوطان لا تختزل في العبارات ولا في الأحرف، اكتشفت أن أسماءنا هي جزء من أوطاننا، محال أن أستنقص من وطنية وولاء زميلي الياباني لأنه أتى إلى البلاد التي هزمت وطنه في الحرب العالمية الثانية، لا أملك الحق لأحكم على زميلي الآخر البرازيلي لأنه ترك أمه ووالده وعائلته في قرية فقيرة بالبرازيل ليدرس في أمريكا، وكما هو الحال لن أسمح لهم بالتطاول على وطني أو التقليل من شأنه، فكلنا لنا أوطان ننتمي إليها لا يستطيع أي مخلوق على وجه الأرض أن يسلبنا من وطنيتنا.

إن شيوع ظاهرة التخوين في قنوات التواصل الاجتماعي، خاصة تويتر، هي عملية اغتيال جماعي «اجتماعي»، وصل الحد بممارسيها إلى التعدي على أنسابنا وأعراقنا، ربما تحولت هذه الحالة المقيتة إلى سمة بارزة في تويتر بالعالم العربي لم أر لها مثيلا في عوالم الغرب. استخدم المخونون فيها أساليب محرمة وبشعة في التعامل والفجور في الخصومة من كل التيارات والاتجاهات السياسية، استخدم ممارسوها تهما تبيح لهم الاعتداء المعنوي حتى لو لم تكن حقيقية.

ظاهرة التخوين من قبل حسابات مجهولة لا يعرف لها صاحب أضرت بسمعة كثير من الناس، ربما لا يدرك بعضنا خطورتها وآثارها المدمرة على الفرد والمجتمع على المستوى البعيد، قد نخسر من عاد إلى حضن وطنه وطريق الصواب بسبب إصرارنا على «التنبيش» في الماضي، ماضيه الذي تاب منه. ما إن تخلصنا من تيار الصحوة الذي كان يوزع صكوك التكفير على من يكره والغفران على من يحب لندخل مرة أخرى في نفق التخوين من تيار يتسلق على الولاء الوطني. هذه الحالة الجديدة يجب أن تدرس وتناقش ويجب معرفة من خلفها ومن المستفيد في تصفية الحسابات وإلقاء التهم جزافا.

الوطن يبنى ويتقدم بالتوحد نحو الأهداف السياسية والخطط التنموية، وهذا لن يكون إلا بالحفاظ على اللُحمة الوطنية بين أفراد المجتمع. الاتحاد الداخلي يساعد على مواجهة المخططات الخارجية التي تريد النيل من الوطن. لا تبنى الأوطان بالتخوين والإقصاء وغياب قيم التعايش والتسامح وقبول الآخر.

يقول مؤسس هذه البلاد العظيمة جلالة الملك عبدالعزيز رحمه الله «الشرف العظيم لا ينال بالانتساب إلى الآباء، وإنما بالتقوى. والشرف كل الشرف بأمرين؛ بالدين ثم بالصدق في الأقوال والأفعال». فبأفعالنا نرتقي وترتقي أمتنا.

علينا عدم قبول هذه الظاهرة، والحوار المتفتح والقراءة المتنورة، فلا علاج بالتخوين والمصادرة والحجب والتحريم، العقل الناقد والمناقشة الحرة التي لا تخاف الرأي الآخر هما البداية الصحيحة لمواجهة أعداء الوطن في الداخل والخارج. جميعنا نحتكم تحت ظل دولتنا، وهي الوحيدة من لها الحق في ممارسة دورها بمعاقبة المخالف أو تخوينه. وكل فرد يتعدى على دور الدولة يجب أن نقف ضده وأن يتم ردعه.

mr_alshammeri@