ياسر عمر سندي

أرجوك أعطني هذا الوباء

الأربعاء - 06 مايو 2020

Wed - 06 May 2020

أحيانا أصاب بالدهشة المنغمسة بقليل من الاستغراب مضافا إليها حفنات من التساؤلات، عندما أرى أن البعض لا يشعرون بأدنى اهتمام تجاه أغلى ما يمتلكون، وما يحملون من مستوى الأمانة والتكريم الإلهي، والمقصد الشرعي، لحفظ النفس والروح، كيف لا والكائن البشري خليفة الله في أرضه، لإعمار البسيطة بعقله وتبصره وحسن تصرفه، ومن المفترض أن تكون أهم سلوكياته المحافظة على الصحة العامة بكل الوسائل والسبل للبقاء سليم البدن من أي درن، معافى العقل من أي زلل. وهذان المعياران أي الصحة البدنية والعقلية، هما المقومان الرئيسان للإنسان، وعلى العكس من ذلك فإن الإفراط والتفريط فيهما يتسببان بنكسات تقودنا للتهلكات.

وهذه الأيام التي نعيشها مع جائحة كورونا، تصدت لها مبكرا حكومة خادم الحرمين الشريفين بعدة آليات وقائية وعلاجية، فالبقاء المنزلي وعدم الخروج إلا للضرورة إحدى هذه الآليات الوقائية الناجعة، وبصدور قرار خادم الحرمين الشريفين حفظه الله الأخير، بالسماح الجزئي لبعض المحلات والمراكز التجارية وممارسة أنشطتها من الساعة التاسعة صباحا حتى الخامسة عصرا، وإلى تاريخ العشرين من رمضان المبارك الحالي، مع التأكيد على المحافظة على التباعد الاجتماعي والمكاني للمسافات بين الآخرين؛ اعتبرته شخصيا ومعي كثيرون قرارا مبشرا يساعد في تحريك الماء الراكد، من الناحية الاقتصادية والمجتمعية أيضا، لمواكبة مستلزمات شهر رمضان الكريم، لما يتميز به من خصوصية معينة تستدعي الخروج للأمور الهامة والضرورية.

وفي طيات هذا القرار الحكيم أيضا، أستنبط رغبة القيادة في تحميل المسؤولية الجزئية للمواطن والمقيم، الذين من المفترض أنه يصاحبهم كثير من الوعي الجماهيري العام، لهذه الثقة السامية الممنوحة للمجتمع، والتي يلزمها كثير أيضا من المراعاة للقوانين والالتزامات الوقائية، والتي لا تزال تنادي بها الدولة ممثلة في وزارة الصحة، والجهات الأمنية.

ومع الأسف ما شاهدته من البعض أخيرا لا يدل على الالتزام والوعي التام، وكأنهم يلهثون وراء مصادر نقل الوباء، وأماكن وجوده، ويبحثون عن كيفية الإصابه به.

ومن وجهة نظري السلوكية والمعرفية، أرى أن هذه السلوكيات الصادرة من البعض تعد تصرفات غير مراعية لحجم المسؤولية، وحجم الكارثة التي قد يتسببون بها، والتي تفاقم من حجم انتشار كورونا، فالدولة رعاها الله لم تفرط في إجراءاتها وتقديم واجباتها، بل مستمرة بكل ما أوتيت من قوة بشرية ومالية ومادية، للدفاع عن أرواحنا وبقائنا سالمين.

ومن المستغرب أن أرى بعض المقاطع المنقولة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، لمن يتباهى بالخروج المتكرر، وعدم الالتزام بسلوكيات التباعد، بل الأدهى من ذلك والأمر أن نرى البعض وكأن شيئا لم يكن، ولا يوجد ما يستدعي خوفهم على صحتهم، فالوضع في حالة استنفار والبعض في غاية الاستهتار!

وحين فترة خروجي للعمل باكرا، ألاحظ أن ثمة أشخاصا متكدسين في سيارة واحدة، وأحيانا لأكثر من أربعة في حيز مكاني ضيق، تتزايد معه احتمالية خطر انتقال الوباء، وفي مشهد آخر أرى التقارب العشوائي غير المسؤول في بعض محلات السوبرماركت أثناء التسوق، ضاربين عرض الحائط بخطورة ما قد يترتب على ذلك.

وفي منظر آخر من أساليب البيع العشوائي غير الصحي على قارعة الطريق لبعض الأطعمة والمشروبات، أستشعر انعدام المسؤولية لدى البعض في ظل أن (كلنا مسؤول) في هذه الفترة، وبحسب معلومات أفاد بها مركز أبحاث وسياسات الأمراض المعدية في جامعة مينيسوتا فإن الشخص المصاب التي تظهر عليه الأعراض كارتفاع درجة الحرارة والسعال وضيق التنفس، وممن لم تظهر عليهم الأعراض أيضا وهم مصابون، قد ينقلون الوباء بمعدل ثلاثة إلى أربعة أشخاص آخرين في المحيط نفسه.

كنت أتعجب لذلك بادئ الأمر، وأجد نفسي في موضع الحيرة، كيف أن كل تلك الإمكانات والجهود والتصريحات الوقائية من منع للتجول، وضرورة البقاء المنزلي، بغرض حماية المواطنين والمقيمين، من المفترض أن يقابلها انخفاض في معدلات الإصابة بكورونا؛ ولكن تزايد المؤشر للأعداد المصابة مقابل حالات التعافي الذي تصرح به وزارة الصحة يوميا، يعكس أن السلوكيات السلبية من البعض هي السبب الرئيس في الانتشار والتزايد، وكأنما لسان حالهم يقول «أرجوك أعطني هذا الوباء».

Yos123Omar@