عبدالله المزهر

إدمان الفساد ..!

سنابل موقوتة
سنابل موقوتة

الثلاثاء - 05 مايو 2020

Tue - 05 May 2020

كان إعلان هيئة الرقابة ومكافحة الفساد عن صدور أحكام قضائية تتعلق بجرائم فساد مالي وإداري تتعلق ببعض موظفي الدولة بمختلف مقاساتهم كبارا وصغارا، متزامنا - ربما غير مقصود - مع إعلان وزير المالية عن أن النية تتجه للإجراءات المؤملة كما وصفها، ورغم أن الأمرين يبدوان للوهلة الأولى غير مترابطين إلا أن الحقيقة تقول بأن أكبر هدر مالي في ميزانيات السعودية منذ نشأتها كان بسبب الفساد.

وأظن أن تشديد القبضة على الفاسدين والمفسدين واللصوص بمختلف مقاساتهم هو أحد أبواب الترشيد المطلوبة في كل زمان، سواء كانت هناك جائحة أم لم تكن.

وقد يشطح بي الخيال أحيانا وأقول بأن هذا العصر الذي تعيشه السعودية كان أحد أهم توجهاته المعلنة القضاء على الفساد ومحاربة الفاسدين، وتسن من أجل ذلك القوانين والأنظمة التي لا تستثني أحدا، والرقابة ومكافحة الفساد تعمل بأقصى ما تستطيع من قوة وصرامة، وأصبح ميسورا لأي أحد أن يبلغ عن قضية فساد في أي وقت وبأسهل الطرق.

ومع هذا يوجد لصوص وفاسدون مثل الذين تمت محاكمتهم والذين ينتظرون، ومعلوم في علم الجرائم أن القضايا التي تكشف أقل من التي لا تكشف. وأتخيل أن من يفكر في الإثراء عن طريق الفساد واستغلال المنصب في هذا العصر ليس ميت ضمير فحسب مثل أسلافه من اللصوص، ولكنه ميت قلب أيضا.

الذي يسرق هذه الأيام مثل الذي يخطط لسرقة مركز الشرطة، وهذا ما دفعني - وفقني الله - لتخيل ماذا كان يفعل الفساد حين كانت الأمور «تساهيل»، حين كنا نسمع عن الفساد ولا نشاهد الفاسدين. وكم من مليار أو تريليون غادرت المال العام ولم تعد.

حتى إني أذكر أني في أيام خلت كنت أتمنى أن أصبح فاسدا كبيرا يضرب به المثل في عالم اللصوصية، لأن الأمر كان مغريا ولأن الفساد كان المهنة الأسهل والأسرع للوصول إلى الثراء - الذي لا زال حلمي - والعقبات في طريق الإبداع في هذه المهنة تكاد تكون معدومة.

لكن توجهات الدولة الجديدة وحزمها في مواجهة الفساد أحبطت أحلامي وقضت عليها في مهدها، فالأمر يحتاج الجرأة والوقاحة في أعلى مستوياتهما، وأنا لست موهوبا في هذين المجالين الحيويين الهامين اللذين هما مصدر إلهام اللصوص في كل العصور.

وعلى أي حال..

لا أظن أن الفاسدين سينقرضون، سيكونون آخر الكائنات على هذا الكوكب، لكن الحزم في مواجهتهم سيجعل مهنتهم لا تغري أحدا، مهمة أجهزة الرقابة ومكافحة الفساد هي جعل حياة الفاسدين أصعب، أما القضاء عليهم فهذا لن يحدث قبل النفخ في الصور، والدليل أنهم يمارسون هذه الهواية في هذا العصر وفي هذه الأزمة. تركيبة الفاسد معقدة وأعتقد أن جزءا منها يحتاج إلى تدخل طبي، ربما يكون مفيدا وجود مراكز صحية مهمتها علاج إدمان الفساد.

agrni@