شاهر النهاري

إمبراطورية التاج الكوفيدية

الاثنين - 04 مايو 2020

Mon - 04 May 2020

أعظم وأشرس إمبراطورية مدت سيطرتها على معظم أنحاء العالم في وقت قصير، هي بلا شك إمبراطورية كوفيد 19، والتي تستخدم التاج شعارا لها، واشتعال حرارة الجسد دليلا على خضوع البشرية لها.

أمر يدعو للدهشة، بأن يتم غزو حضارات القرن الواحد والعشرين، وتحييد علومها وإمكاناتها وتعطيل تواصلها وكشف ضعف قواها، وبالتالي عزلها والحجر عليها، وإبادة ربع مليون نسمة، زيادة على ما يقارب أربعة ملايين جريح، من قبل محتل لا يرونه ولا يدركون لغته، ولا مناطق ضعفه إن وجدت.

كل حضارات وعواصم العالم تحركت منذ البدء، وكل حسب رؤيته وشفافيته وإمكاناته، وقد أساء البعض تقدير قدرة القادم بصولجانه وجنوده، وقابلوه بانتفاخ عضلات مغرورة.

البعض كذب ودلس وادعى، حتى لا يقال عن دولته إنها قاصرة، وأشاع المؤامرات وأصل الروحانيات، وأصر على إكمال الانتخابات، مع أنه ظل يمطر الجوار بالإصابات.

البعض نظر لجحافل الإمبراطورية القادمة بشك وتهوين وتخوين، وعارض أن يكون الحرشفي آكل النمل، أو الخفاش النيء سببا مقنعا، فأثخنت الإمبراطورية جراح وطنه.

اختلقت سيناريوهات تناقض أطماع صاحب التاج الكوروني، فالبعض أكد أنه أهون من مرض الإنفلونزا، وأنه كالنار تأكل نفسها إن لم تجد ما تأكله، ولكنه في الواقع جشع يصاب بالتخمة كل يوم.

البعض جمع الأسلحة العتيقة، والمعالجات الموجودة على الرفوف المغبرة، عله يكسب جولة التخلص من المخزون الفاسد.

والبعض تأقلم مع المحتل، وأغلق وحجر وحصن وطهر وعالج، محاولا عدم الاستسلام للإمبراطورية المستجدة، فشعر بالإرباك والوهن.

البعض طلب مناعة القطيع، فكاد أن يضيع، فالشعوب ليست قطعانا بل جوهر الوجود، بوعيهم وفعلهم وتعاونهم وثقافتهم.

البعض اتهم الفيروس بأنه صناعة يوهانية، والبعض اتهم (جي5) وتوعد برد جديد، يفل الحديد، ويزعزع أسس إمبراطورية الشر، ويجعلها خبرا لكان، وهي تصر على أنها فعل مضارع لا يبنى على المجهول!

البعض كتب ونظر ورسم فصولا تخيلية وسيناريوهات، لما ستكون عليه مراحل المستقبل، وكأنه مخرج مسرحية هزلية.

منظمة الصحة العالمية انكشف ضعفها، في مواجهتها المباشرة مع الواقع، مليارات تدفع لها سنويا، وهي غير قادرة على ضبط مسارات الصرف، وصنع الخطط، وتسخير القدرات، والبعض يتهمها بالفساد والتقصير، بينما تحاول يائسة إخفاء آثار مرور جحافل ومنجنيقات الإمبراطورية الكورونية الغاشمة.

العلم يقف مندهشا متأدبا أمام بوابات حصون الإمبراطورية العالية، لا أحد حتى الآن اخترق أسوارها، ولا عرف مضادا لسميتها، ولا أوان زوالها، ولا ما يضعفها، من لقاح لم يكتشف وعلاج مدجج بالدروع، وكثير من مراكز البحوث، تحذر من أن أغلبية البشرية (60-70%) ستصاب بالمرض، ومن ينجو، يكون هو الأكثر حظا، بعناية فائقة ومقاومة جسد شاب عفي.

العودة للعمل، وللحياة العامة، قد تنجح مؤقتا باشتراطات صحية واعية مكينة، وتقنين أعداد من يتقابلون، ووجود مراكز كشف وعلاج متقدمة، وقدرة على تتبع وعزل الحالات الجديدة، ولكن كل ذلك قد يفشل بقوة عند أي هفوة، ومع عودة السفر من وإلى الدول المنكوبة الواقعة تحت احتلال التاج.

ومؤخرا اشتدت نغمة نشاز تتمثل بمنافسات ودعايات دولية على التوصل لاختراع علاج ناجع (قد يكون كاذبا)، وتحويل القضية إلى صراع سياسي على بلوغ القمة، والانتصار إن حصل حقيقة، فسيحتاج إلى الحب والوعي والإنسانية قبل تحقيق الأطماع!

Shaheralnahari@