علي المطوع

العدل لإحقاق العدل

الاحد - 03 مايو 2020

Sun - 03 May 2020

رغم الخيبات والنكبات وتغير الحسابات تظل فلسطين قضيتنا الأولى، فهي قضية تتقاطع مع الهوية والوجود، لذلك ستظل في المخيال العربي الحقيقي القضية الأهم والمفتاح الذي بحله تحل مشاكل منطقتنا العربية.

في الفترة الأخيرة يتزايد استفزاز الشعب السعودي من جيوب موتورة كانت وما زالت ترى في الخليج بشكل عام وكياناته السياسية ونخبه الفكرية والثقافية وأنساقه الاجتماعية مجرد أعراب ورعاة جمال، حظهم من الحضارة نفط أدر عليهم مداخيل عظيمة هيأت لهم حياة كريمة لا يستحقونها، نقلتهم من ضيق الحال إلى سعة في الرزق والبناء والإعمار.

الغريب أن هذه النظرة الدونية لا تنسحب على العراق والجزائر وليبيا، فهي بلدان نفطية والأخيران صحراويان قاحلان، ومع ذلك فإن تلك البلدان ظلت في مأمن من حالات التنقص والافتراء الذي يمارس بين فينة وأخرى مع شعوب الخليج، خاصة السعودية وشعبها العريق.

إن الأصوات النشاز التي ما فتئت تكيل التهم والشتائم للسعودية وشعبها هي امتداد للأصوات القديمة، التي كانت ترى أن الطريق إلى القدس لا يستقيم إلا بالالتفاف والالتفات إلى بعض العواصم العربية المجاورة، وأخذها لتكون مقدمة الفتح المبين الذي بشروا به الأمة عقودا طويلة.

وبعد مراحل زمنية مما كان يسمى بالكفاح المسلح وجبهات الصمود وكامب ديفيد، ظهرت أوسلو فجأة، ومن خلالها تشكل ما يعرف بالسلطة الفلسطينية التي اعترفت بإسرائيل وغيرت ميثاقها الوطني لينسجم مع مرحلة التطبيع الجديدة وغير المتوقعة، ظهرت ثمار غصن الزيتون الذي رفعه الراحل ياسر عرفات في المحافل الدولية، والذي أينع لاحقا فقطفته وعصرته إسرائيل عصرة أولى على البارد، فكان نتاجه سلطة فلسطينية منقوصة في بعض مناطق الضفة الغربية، تبعه اتفاق الوادي الشهير، الذي دفع القضية إلى المجهول وعزل (العربة) عن الحصان.

وهنا كعرب ومسلمين قبل أن نكون سعوديين نتساءل: لماذا يقفز بعض الأشقاء الفلسطينيين على كثير من الحقائق والمواقف لتشويه السعودية وشعبها وتاريخهما مع النضال الفلسطيني المشروع؟ فمثلا السعودية لم تطبع مع إسرائيل، والسعودية لم تختلف مع الفلسطينيين لا في أسود أو أبيض، والسعودية لم تطرد الفلسطينيين كالقذافي في الصحراء الليبية، والسعودية لم تنشئ مخيمات للفلسطينيين لعزلهم عن الشعب السعودي، والسعودية لم تستخدم فلسطين ولا الفلسطينيين ولا القضية الفلسطينية كورقة مزايدة أو مقايضة مع الجيران والمخالفين والمختلفين، والسعودية لم تدعم فصيلا فلسطينيا على حساب فصيل آخر، يكفي أن الرئيس الفلسطيني كان يصرح أكثر من مرة أن الملك سلمان دائما ما يقول له: نحن مع ما تختارونه وتريدونه، فأين الخطأ وأين المثلبة التي تجعل السعودية وشعبها يتلقيان كل هذا الكم الهائل من الجحود والتنقص والنكران؟

الحملة الممنهجة من بعض الفلسطينيين ومن وراءهم ضد السعودية لا تخدم القضية الأم، ولا تساعد في توحيد صفوف العرب لجعلها القضية المركزية الأولى، فانقسام الفلسطينيين رأيا ومواقف هنا وهناك هو أولى بوادر خذلان القضية وتشويهها والإساءة إليها، وهذا ما يعزز وينشط كل مظاهر الجحود والتجني الذي يمارسه بعض المحسوبين على فلسطين القضية والحق.

هذا ما يجعل الباب مشرعا لكثير من الأسئلة والاستفهامات، ولعل المهم منها في هذا المقام هو: هل نكران الجميل والتجني على أصحاب الأيادي البيضاء التي وقفت مع القضية الفلسطينية سيسهمان في التعجيل بحلها؟ ليأتي الأهم وهو: هل هذا الجيل من إخوتنا الفلسطينيين، الذي يتجنى ويظلم الأقارب والأشقاء أهل وقادر على أن ينصر قضيته العادلة وقضيتنا الأم؟

فلسطين لا تنصر ولا تنتصر إلا بمواقف حقيقية وصادقة، تبدأ بإصلاح النفوس من الداخل الفلسطيني من زيف الاعتقادات الباطلة والتهم الرخيصة الموجهة والمركبة للآخرين، والتفرغ لفلسطين القضية بعيدا عن الخلافات العربية، عندئذ تعود فلسطين قضية مركزية يخدمها الجميع، بدءا بالفلسطينيين، ومرورا بالعرب، ووصولا إلى كل شرفاء العالم الذين يؤمنون بالحق والعدل والمساواة.

alaseery2@