محمد الأحمدي

مناقشة علمية على الرصيف

الأحد - 03 مايو 2020

Sun - 03 May 2020

مبتعث قضى خمس سنوات في رحلة طلبه للعلم بجامعة من جامعات بريطانيا. بداية العام الميلادي، يعود للرياض بعد هذه الرحلة الطويلة خارج الوطن تمهيدا لاستقرار عائلته. ومن ثم سيعود لبريطانيا لإجراء المناقشة العلمية التي يتوج بها رحلته العلمية.

لكن في بداية مارس 2020 ومع اكتساح فيروس كورونا العالم، وتعليق رحلات الطيران، يستيقظ المبتعث الخريج صباح الخميس فزعا، فقد تبقى عن موعد مناقشته أسبوع واحد. وبدايات حظر السفر ببعض الدول قد اتخذت.

يلملم حقيبته التي حرص على شيء واحد دون سواه فيها، وهو مستودع علمه وصندوق كنزه، الذي تكونت صداقة معه طيلة فترة دراسته الطويلة، فقد عشق حروف لوحه مفاتيحه، وألِفَ مطالعة شاشته المضيئة في الليالي المظلمة. لم يكترث لمن حوله من عائلته التي قضت معه تلك السنوات ببلد الابتعاث، بقدر هم الحصول على حجز طيران وتذكرة سفر للوصول لمقر بعثته، ليجري مناقشته العلمية.

يصل المبتعث في أوج الأزمة العالمية إلى بلد يقترب منه الداء. فقد لاح أفقه في دول الجوار كفرنسا وإسبانيا وإيطاليا التي يعصف بها الوباء شرقا تارة وغربا تارة أخرى. يؤمل بأن الفندق ذا النجمات الأربع المكان المناسب له طيلة الأسبوع الذي يحسب ثوانيه قبل دقائقه. لينال الوسام الذي طال انتظاره، وقضى الأيام والليالي يعتني بثمرة حان قطافها.

يرحب به موظف الاستقبال في الليلة الأولى، ولا يعلم بأن الوجه المبتسم سيعبس بعد خمسة أيام من ابتسامة الاستقبال، ليطلب منه الخروج من الفندق نظرا لإغلاق الفندق في المدينة الصغيرة التي غادرها معظم الطلبة الدوليين.

ينتقل المبتعث لفندق آخر داخل الميل المركزي الحيوي بقلب المدينة، ولكن سرعان ما تصيب ذلك الفندق عدوى فيروس الإغلاق التي أصابت سابقه، في زمن يزداد فيه انتشار الوباء في بريطانيا بشكل سريع يفوق التوقع، يضرب أحياء العاصمة الثرية دون رحمة، فيكشف ستار الثراء عنها، لتظهر ملامح الأسى والحزن على محياها، فما بال تلك المدينة الصغيرة التي تبعد عنها مئات الأميال.

تنقطع به السبل، وتغلق أبواب الفنادق أمامه، وتتوالى رسائل الجامعة على بريده الالكتروني محذرة إياه من الحضور إلى حرمها، ناصحة له بالبقاء في المنزل، ولكن تأتي هذه الرسائل البريدية لمن لا منزل له. وفي الأثناء يصله بريد الكتروني لم يرغب برؤيته يفيد بتأجيل موعد مناقشته أسبوعين قادمين، فيزداد همه، ويعظم كربه. يتلقفه زميل من رجال الوفاء أبناء مملكة الإنسانية، فيوفر له المأوى ويسخر له المسكن حتى يحقق حلمه المنتظر.

يحين الموعد المرتقب لهذا الطالب ليختم ملف مرحلته العلمية في عاصفة شلت مناشط الحياة فيها في بلد تحكمه الرأسمالية، يتحول كل شيء إلى ابتسامة، ارتسمت على روح المبتعث قبل شفتيه، بخبر «مبارك يا دكتور اجتياز مناقشة الدكتوراه». لا تدوم الفرحة طويلا لديه، وكأن الحزن يغالب فرحته، رغم ما يحيط به من ورود بيضاء أتته مباركة بنيل درجته العلمية المنتظرة.

وفي أزمته ومحنته يأتي قرار ملكي حكيم باستعادة العالقين من المواطنين والمبتعثين والمرافقين من مختلف دول العالم، وإنشاء منصة الكترونية لاستعادتهم، يعيد البسمة إلى وجهه فترتسم ابتسامة المحب، وقهقهة العاشق للثرى، والمتيم في الهواء السعودي، والفخور بذرات التراب المترامية في أرجاء مملكة الإنسانية.

يتواصل مع سفارة الوطن الغالية بلندن، التي نذر سفيرها الأمير خالد بن بندر بن سلطان نفسه، وطاقمه بالسفارة لخدمة المبتعثين والمبتعثات ليل نهار، فسيل الاتصالات مستمر مع ممثليهم بمختلف مدن بريطانيا، واللقاءات الدورية التطمينية منه على قدم وساق، ورفع الاستعداد لاستقبال العالقين في أعلى مراحله.

فيأتيه الفرج بخبر لا تصف مشاعره الكلمات أو العبارات، بل كل ذرة بجسده طربت لذلك الخبر الذي مفاده «احمل حقيبتك، وتوجه إلى فندق ...» الذي خصص لخدمة الراغبين بالعودة للمملكة داخل مطار هيثرو، وأبرز جواز سفرك وستتلقى كل الخدمات الراقية بمجرد رؤية الشعار السعودي المتمثل في السيفين والنخلة. فنخلة الوطن المحمية بحزم الحاكم الصادق أثمرت رطبا جنيا للمبتعث المكلوم ليعود إلى أرضه معززا مكرما محققا حلم وطنه الذي أمله فيه.

alahmadim2010@