عبدالحليم البراك

زلزال كورونا هل يغير أفكارنا؟!

الاثنين - 20 أبريل 2020

Mon - 20 Apr 2020

هل يمكن لهذا المرض أن يغير أفكارنا، لكن قبل أفكارنا دعونا نرَ ماذا غير من حياتنا اليومية فنلاحظ لاحقا ماذا يمكن له أن يغير من أفكارنا أيضا:

- القطاع الحكومي حمل خاصيتين اثنتين كانتا تحديا كبيرا ونجح فيهما، في الأولى نجح في أن يعمل بكفاءة بأقل عدد ممكن من الموظفين، وهذا ما كشف وبوضوح ترهل أعداد الموظفين في القطاع الحكومي بشكل كبير، وكيف أن الخدمات الحكومية تكاد لم تتأثر كثيرا بهذا العدد القليل من الموظفين الذين يباشرون أعمالهم في مكاتبهم أو عن بعد، كما أن التقنية نجحت في اختباراتها في المملكة بشكل كبير جدا، فهل نعيد النظر في عدد موظفي القطاع العام؟

هذا لا يعني الاستغناء عنهم، بل الاستثمار فيهم في إعادة تأهيلهم لقطاعات أخرى، أو تخصصات أخرى أو مشاريع أخرى أكثر فاعلية، كما أثبتت التقنية أنها قابلة للتطبيق، ولم يتبق إلا حصر القطاعات التي تتطلب حضورك للدائرة شخصيا، للتفكير جديا في تحويلها إلى الكترونية، ولنأخذ مثالا على ذلك: احتياج النقد، يمكن عمل طلب الكترونيا ويمكن تسليم المبلغ لك في مكانك، وفق آلية التحقق من البصمة والاشتراطات الأخرى، ولو فكرنا فيها قليلا لوجدنا أن لكل مشكلة حلا، ولا يعني هذا أن نعتمد على التقنية في كل شيء، لكنها تبقى حلا من حلول الأزمات.

- القطاع الخاص، ذلك الذي يشعر بأن الدولة هي الأب الروحي له، وأن عليها العناية به، كما لو كان طفلا صغيرا، شعر الآن بضرورة أن تقوم اقتصادياته على أرضية صلبة، غير الدعم الحكومي حتى لا يكون عرضة للهزات، وإن كانت هذه الجائحة عالمية وشاملة إلا أنها نبهت كثيرين إلى إعادة التفكير فيها، فالعمالة على قدر الحاجة، والتقنية أهم من الكادر البشري الأجنبي (غير السعودي)، وإدارة الأزمات والكوارث من المهم تواجدها في معظم المنشآت المتوسطة والكبيرة، وحلول نقص السيولة وحلول الائتمان وحلول الأنظمة الصحية للقطاع الخاص في الأزمات وغيرها من الأفكار الإدارية والفنية المهمة.

هذا على مستوى حياتنا اليومية العملية لكن على مستوى الأفكار، هل تغيرنا هذه الأزمة، تظهر في هذه الأزمة فكرة مهمة لإعادة التفكير في طريقتنا الاستهلاكية في الحياة، عالم السهر والترفيه الذي يسيطر على الأفراد، السفر والمرض والمتلازمة بينهما، كذلك يبدو مهما أيضا أن نعرف فضل الأسرتين الكبيرة والصغيرة علينا، وكيف نعيش دون أن نهرب من العيش معهما إلى الأصدقاء والتجمعات كل يوم.

ليس هذا فحسب، إن الجائحة علمتنا أن التباعد الاجتماعي ربما يمتد طويلا، مما يعني أن تعود لأهدافك وأعمالك وتحققها وأنت في منزلك وكل أعمالك المؤجلة يجب أن تقوم بها ولا تؤجلها إلى وقت آخر، لأنك إن فعلت ذلك فأنت تؤجل عمرك ويومك، والحياة تمضي ومتطلباتها لا تزال تنهشك بأنيابها.

إن تصدع الأنظمة الصحية في الدول الغربية والدول الفقيرة أعاد لنا دور الحكومة الإنسانية، فبعض الدول رضيت بأن يموت الناس في أراضيها لأحد سببين، إما أنها لا تملك خططا مالية للطوارئ والأزمات الصحية، أو أن الدول الغنية ليست بصدد إنفاق مبالغ مالية نيابة عن شركات التأمين التي حملت لعقود عن عاتقها العناية الصحية بالناس، ولذلك قبلت بعض الدول بمناعة القطيع لأنها لا تريد أن ترهق اقتصاديا ولو على حساب مواطنيها. لكن دول الخليج أخذت على عاتقها الجانب الإنساني أولا، بل المملكة تعد كل مقيم أمانة في عنقها، وهي مسؤولة عنه إنسانيا كما صرح كبار المسؤولين في المملكة.

أخيرا، مدرسة كورونا لم تلق لنا بكل دروسها حتى الآن، فالمرض لم ينته بعد، ولو انتهى ستبقى آثاره الاجتماعية والاقتصادية شاهدة، ناس خرجوا من السباق ودخل آخرون، والفائز هو الذي أنتج خلالها أو تعلم ما يعود عليه بالتغيير الإيجابي.

@Halemalbaarrak