عبدالله المزهر

اللحييون، آفة كل العصور..!

سنابل موقوتة
سنابل موقوتة

الاثنين - 13 أبريل 2020

Mon - 13 Apr 2020

كنت قد انتويت منذ فترة ليست بالطويلة أن أكف عن الحديث في السياسة وعن غيبة الساسة، ولكن فيما يبدو أني سأتراجع عن هذا القرار، وتراجعي له مسببات، من أهمها أني لم أنفذ أيا من تلك الأشياء التي قلت إني سأكف عنها، بداية من النوم المتقطع الموزع على آناء الليل وأطراف النهار، ومرورا بقرار البدء يوم الأحد القادم - الذي لم يأت قط - باتباع برنامج رياضي وصحي والإقلاع عن التدخين، وانتهاء بالحديث عن السياسة.

والإنسان يميل - كما تعلمون - إلى فعل الأشياء الضارة أكثر من ميله إلى فعل الأشياء المفيدة.

السبب الآخر الذي دفعني للتراجع هو أني كتبت تغريدة عابرة تطرقت فيها للرئيس التركي - سامحني الله - ثم إني تلقيت بعض الردود الغريبة التي دفعتني للشك أن الحزب الذي ينتمي له الرئيس له فروع في منطقتنا، لأني أتفهم أن يدافع المنتمي للحزب السياسي - أي حزب - عن سياسة الحزب، ويؤمن بشكل آلي بالآراء التي يتبناها الحزب مهما كانت.

وأتفهم أيضا إلى حد ما أن يدافع التركي عن الرئيس التركي حتى ولو لم ينتم إلى حزبه السياسي، من باب أنه قد يتفق معه في أشياء ويختلف معه في أشياء، وأنه لا يحق لغير الأتراك الحديث عن تفاصيل الشأن التركي.

لكني في الحقيقة عاجز عن فهم أن يفعل غير الأتراك ذلك، وقد يسأل سائل أو يقول قائل بأن الدفاع عن الحق حق لكل إنسان، وأن توضيح الحقيقة لا يرتبط بجنسية ولا حزب ولا كيان، وأن الإنسان الحر المنصف تهمه الحقيقة أكثر من أي شيء آخر.

وهذا كلام في غاية الجمال والجاذبية، لولا أن ما نتحدث عنه لا علاقة له بالحقيقة ولا الحق، وأن الدفاع عن الرئيس التركي من قبل غير الأتراك - الذين تعرفونهم - هو في الواقع تبرير لكل ما يفعله مهما بدا متناقضا حتى مع «مبادئ» من ينبرون للدفاع عنه.

وعلى سبيل المثال لا الحصر، فإن هؤلاء يمكن أن يشنوا حربا شعواء على أي أحد حين يقرؤون خبرا في جريدة لا يعرفها أحد عن تقاربه مع إسرائيل، وهذه في نظري حرب مشروعة وحق لا مراء فيه، ولكنهم هم أنفسهم بشحمهم ولحمهم وأقلامهم وحساباتهم ومقالاتهم وبرامجهم، لا يجدون حرجا في أن يصرح الرئيس التركي بنفسه بأنه سيقدم مساعدات لإسرائيل في القضاء على وباء أو إطفاء حريق، يخلقون له مبررات هو نفسه لم يفكر فيها ولم تخطر له على بال.

يقبلون منك أن تنشر خبرا سيئا غير مؤكد يتعرض لأي مسؤول أو زعيم سياسي، ويرون ذلك أبسط حقوقك في حرية التعبير، لكن سيكون لك الويل والثبور إن أنت كتبت عن طامة مؤكدة أتى بها الزعيم الأناضولي. ستكال لك الاتهامات أشكالا وألوانا، وستكون مجرد عميل صهيوني يفكر في فتح سفارة للكيان الصهيوني في «حوش» بيتكم. وأحسنهم أخلاقا سيقول إنك ما قلت ذلك إلا لأنك أجبرت عليه إما ترغيبا أو ترهيبا.

وعلى أي حال..

منذ أن قرر عمرو بن لحي أن يدخل الأصنام إلى جزيرة العرب وهذه العادة لم تتوقف، ففي كل فترة يستورد «اللحييون» صنما جديدا، يعبدونه ويروجون لعبادته، ومشكلتهم الأزلية أنهم لا يتعلمون ولا تفيدهم تجاربهم السابقة في حياتهم اللاحقة، ثابتون في «الدجة»، كافرون بالأعمال، أقوياء في التمسك بعقيدة الخطب والشعارات البراقة التي لا تسمن عقلا ولا تغني من جوع الحقيقة.

agrni@