شاهر النهاري

طائرات همها عد النقود

الاثنين - 13 أبريل 2020

Mon - 13 Apr 2020

لا شك أن جائحة كورونا قد جعلتنا نرتقي على مشراف جبل عظيم، نتطلع من فوقه للقادم، ونستحث ما سيكون في مستقبل حياتنا من تحولات، وتعديلات تتناسب مع حقوق الإنسان البسيطة الضرورية.

في فترة انتشار كورونا توقف الطيران حول العالم، إلا عن ندرة رحلات، كانت تُسَير بأسباب طارئة، وطوت أساطين أساطيل الطيران العالمي أجنحتها، وأصيبت بالكساد والجمود، حتى إن بعض الشركات العربية تحولت إلى نوائح، يتشحن بالسواد ويندبن حظوظهن، على طريقة الخنساء، ويتباكين قطع وصل بينهن وبين الركاب.

الأمر جلي، فلا حياة لتلك الشركات دون وجود الراكب، ولكن كثير من تلك الشركات كانت تستغل حاجته إلى وسيلة انتقال، فأبدعت فيما تفرضه عليه من ضيق مساحة في مكان الجلوس وتحديد للحركة، تجعل الراكب المجبر يتخذ وضع الجنين في الرحم.

الكراسي ترص بطريقة عنوانها الجشع أولا وأخيرا، وبين الكرسي والآخر تجد كرسيا دخيلا، بضيق في المكان وتقليص للحركة، ومنافسة على شفط حجم الهواء المتاح لكل شخص، مهما زادت مكيفات الطائرات من ضخ الهواء البارد المستعاد، لينسى الراكب ضيق حاله، ومخالطة أنفاسه مع فيروسات الملتصقين به، خاصة أن الدماء في جسده تكاد تتجمد.

وتتعاظم المعاناة والخطورة كلما زاد عمر وحجم وطول جسد المسافر، وطالت مسافة الرحلة، بوضع ملتوٍ منطوٍ يزيد من عمليات التخثر في القدمين والساقين.

المسافة بين الجالس ومن يجاوره تبلغ درجة التلاصق، خاصة في درجة الضيافة التي يحتاج الراكب فيها للسان هجاء وندب يرثي بها حالة مضيفه، ودقات قلبه تنبئه أن الحياة دقائق وثواني، قبل أن يقفز مناضلا مجبرا، وسط فلول الهاربين من رحلة الضيق، قبل إطفاء محركات الطائرة.

وبعد كورونا، تحصلت البشرية على وعي وتثقيف صحي، لوقاية النفس من أي أمراض فيروسية تنفسية، وحتى وإن لم يكن المسافر يعاني من أي أمراض، فجهازه التنفسي يحتاج للرحمة من جشع هذه الشركات (الساردينية)، التي تلصقه بأجساد وأنفاس وروائح الآخرين.

هذه الشركات يجب أن تغير قوانينها، بتقنين عدد الركاب في كل طائرة وتقليل الصفوف، كون الركاب يتبادلون الهواء نفسه، الذي يدور وسط الكابينة بفيروساته، مهما حاولت أجهزة التكييف تنقيته وتسريع ضخه.

النظرة ما بعد كورونا نحو شركات الطيران لن تكون كما كانت قبله، فتلك الشركات تربح الكثير، ولن يعجزها أن تسعى لراحة وصحة الراكب، بتغيير نهجها ليصبح فيه بعض القيمة الإنسانية.

هذا أمر نتوقع حدوثه بعد الجائحة، بأمر ملزم من منظمة الطيران العالمي (إيكاو)، ونعتقد بأن شركات الطيران (طيبة السمعة) لن تنتظر أمرا كهذا، فتبادر بتعديل تصاميم طائراتها وتنظيماتها ومساحاتها عما كانت عليه، حتى تستمر الثقة بينها وبين الزبائن، ممن عرفوا الوقاية والاحتياج في زمن كورونا.

والمنافسة حينها يجب أن تشتعل وترتقي بوعي الزبائن، وامتناعهم عن اختيار الطائرات الخانقة، والتحول للطائرات الفسيحة التي تعلي قيمة من يختارها، وتضع صحته ونفسيته في أوائل اهتماماتها.

وطالما أن شركات الطيران أصبحت تقرض الشعر، فسنرد عليها بشعر المتنبي، مع الاعتذار له عن تغيير بعض كلماته:

عش عزيزا رافض الضيق كريما

بين نار الأسعار وتشديد القيود

واطلب العز في سعة، ودع الذل

وسط طائرات همها عد النقود

Shaheralnahari@