طلال الحربي

الكورونا يكشف سوءة الغرب

الاحد - 12 أبريل 2020

Sun - 12 Apr 2020

لا أحد يدري حتى الآن على وجه التأكيد كيف ستنتهي الحرب الدائرة حاليا بين البشر وفيروس "كورونا الجديد"، لكن من المؤكد أن العالم لن يكون على الحال التي كان عليها قبل انتشار هذا الوباء. نظريات كثيرة قيلت عن أسباب انتشار هذه الجائحة، فهناك من قال إنها عقاب من الله للناس على خطاياهم بعدما "ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس"، ولأننا لم نتق فتنة "لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة"، ولهذا فقد أغلق الله أبواب بيوته ورحمته في وجوهنا لأننا لم نقم الصلاة على وجهها الصحيح ولم نستغفره ونتضرع إليه كما أمرنا.

بعض هؤلاء القائلين بعذاب الله فرحوا بما يصيب البشرية وفرحوا لأن بعض الدول الأوروبية سمحت بأن ينادى بالآذان من خلال مكبرات الصوت في المساجد بعدما كان محظورا من قبل.

ربما يكون تبرير عذاب الله معقولا فهو يعلم منذ بداية الخلق أن الذي أراده خليفة في الأرض سوف "يفسد فيها ويسفك الدماء" لعل وعسى أن يذكرنا بضعفنا وقلة حيلتنا بمشهد الآخرة "يوم يفر المرء..."ونعود إلى قول الله تعالى "وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون".

لكن البشرية لم تتلق حتى الآن الجرعة الكافية من عذاب الله لتعود إلى رشدها وتحيي ما تبقى من إنسانيتها وتتوقف عن القتل والتخريب والفساد والاتجار بحياة البشر بمختلف الصور والوسائل.

في الغرب، هناك تفسيرات شتى لما حدث. هناك من يقول إن هذا الفيروس من صنع الإنسان وإنه انطلق من مختبرات كان يشرف عليها خبراء فرنسيون وصينيون في مدينة ووهان الصينية، وإن الخفافيش التي يأكلها الصينيون تكفلت بالبقية.

وهناك من يقول إن هذا الوباء كان نتيجة للاختلال في توازن الفضاء الخارجي بسبب اكتظاظه بمئات الأقمار الصناعية ضمن السباق المحموم على إنتاج "انترنت الأشياء" و"الجيل الخامس" في عالم الاتصالات، ولذلك فإن الطبيعة ردت على هذا التعدي لاستعادة التوازن الذي وضعه الله لها. هذه ليست نظرية مؤامرة لأن كل فريق يورد ما لديه من أدلة وبراهين ليثبت مقولته. وقد بلغ الحد اتهام بيل غيتس، الرجل الأغنى في العالم ومؤسس شركة مايكروسوفت، بتسخير ثروته للمساعدة في نشر هذا الوباء من خلال تبرعات "الخير والإحسان" بمليارات الدولارات.

في كل الأحوال، لقد كشفت هذه الجائحة سوءة النظام العالمي والقائمين عليه، وأصبحت الدول العظمى عاجزة ومشلولة أمام هذا العدو الذي لا يرى. وعلى الرغم من قدراتها الصناعية الضخمة وميزانياتها التي لا تعد ولا تحصى وجيوشها الجرارة وأجهزة استخباراتها وأسلحة دمارها، إلا أنها لم تستطع حتى الآن تحقيق أي نصر على جبهة المواجهة وباتت مشغولة في صناعة التوابيت لآلاف الضحايا أو تشغيل الأفران لحرقهم.

وفي الوقت نفسه أظهرت هذه الجائحة بشاعة منظومة القيم الغربية القائمة على سياسة السوق الحر المنفلتة، والتنافس على ما تبقى من مصادر العالم الناضبة واستغلال ثروات العالم الثالث، وإفقاره ومنعه من حرية اتخاذ قراره حتى لو ظل سعر برميل البترول لعقود أرخص من زجاجة عطر باريسي. كل ذلك من أجل تحويل الشعوب الفقيرة إلى دودة استهلاكية تقتات على ما يلقى إليها من فضلات المصانع الغربية.

كما أظهرت هشاشة العلاقات بين الدول الغربية وأنانيتها وتركت كل دولة تواجه مصيرها لوحدها على مبدأ "أنا ومن بعدي الطوفان" إلى حد التقاتل على كمامة أو جهاز تنفس. وفي خضم هذا العجز العالمي تجري محاولات للخلاص، فمراكز الأبحاث تسابق الزمن لإنتاج لقاح لمقاومة هذا الفيروس، وهذه فرصة لشركات تصنيع الأدوية الغربية لجني مزيد من الثروات على حساب خلق الله، مثلما يفعل تجار الحروب ومصنعو الأسلحة.

لكن المثير في كل هذا الجو المخيف، هو أن انتشار هذا الفيروس يشبه أفلام الخيال العلمي التي تبين لاحقا أنها ليست جميعها خيالا، بل تحولت إلى مشاريع تنفذ على أرض الواقع ولا يستبعد أن وراءها جهات تخطط لها وتمولها مثلما حدث في هجمات 11 سبتمبر 2001 ضد مركز التجارة العالمي في نيويورك، عندما أنتج فيلم وأغنية يحاكيان التفجير تماما قبل وقوعه.

في عام 2018، عرض فيلم "صندوق العصافير" Bird Box وهو فيلم أمريكي عن نهاية العالم، وما بعدها يتحدث عن كائنات غامضة تجتاح الأرض وتجعل من يراها يقدم على الانتحار ولا ينجو منها سوى المجانين وقلة من المؤمنين الذين يغطون أعينهم أو الذين يفقؤونها حتى لا يروا الواقع فيموتوا.

لذلك، فعلى الرغم من حالة الخوف وعدم اليقين التي نعيشها، إلا أن هذا الوباء جعل العالم يتوحد وجعل كثيرين يعيدون التفكير في مسيرة حياتهم وخططهم وسياساتهم وعاداتهم وأفكارهم وحتى حقيقة إيمانهم.

هذا يجعلنا ننظر إلى الجانب المضيء من المشهد وأن لا نغمض أعيننا عن الواقع، فالله وعدنا باليسر بعد العسر وبالفرج بعد الشدة، وبأنه لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا.

alharbit1@