زيد الفضيل

اليمن.. واحتياطات ما بعد المنع

السبت - 11 أبريل 2020

Sat - 11 Apr 2020

في الوقت الذي ابتهج فيه كثير من المراقبين بإعلان التحالف العربي لدعم الشرعية في اليمن عن مبادرته لوقف إطلاق النار ابتداء من نهار يوم الخميس الفائت، وتخصيص المملكة العربية السعودية 500 مليون دولار لخطة الاستجابة الإنسانية للأمم المتحدة، التي حدد منها 25 مليون دولار لمكافحة وباء كورونا؛ عبرت بعض الأصوات النشاز عن امتعاضها من هذا القرار الإنساني الأخوي الحكيم، وعمدت عبر محركاتها الالكترونية وبعض شخصياتها المستفيدة ماديا من استمرار وتيرة الحرب، إلى التشكيك في نتائج هكذا قرار يهدف إلى حقن الدماء أولا وثانيا وثالثا، وإلى إنقاذ شعب تربطنا به أواصر القربى والأخوة والجوار، ولعمري فكل منها كفيل بأن يكون سببا لتوثيق عرى الترابط حتى وإن سالت الدماء، وما أصدق البحتري حين قال: إذا احترَبتْ يوما، ففاضتْ دماؤها/ تذكّرَتِ القربى ففاضت دموعها.

على الصعيد الداخلي، تميزت كلمة وزير الصحة الدكتور توفيق الربيعة بالوضوح والدقة في مضمونها ورسالتها، حيث أبان بكل شفافية عن الأثر الإيجابي للإجراءات الاحترازية المهمة التي اتخذتها قيادة المملكة إزاء هذا الوباء الخطير، وكشف عن حجم الدعم الذي قدمته الحكومة لوزارة الصحة ماديا ولوجستيا لمواجهة هذه الجائحة، وكان صريحا في التحذير من عواقب التهاون الوخيمة التي يمكن أن تحدث جراء عدم اهتمام بعض المواطنين والمقيمين، مشيرا إلى أن الأمر يمكن أن يخرج عن حدود السيطرة في حال لم يتقيد أولئك، وصدق الوزير في تحذيره، إذ إن إشكال الوباء كامن في سرعة انتشاره بمتواليات هندسية واسعة، فإذا افترضنا أن الواحد قد أصاب بالعدوى عشرة أشخاص من بيئات مختلفة، فإن العشرة يمكن أن يصيبوا مئة، والمئة يمكن أن يصيبوا ألفا، والألف يصيبون عشرة آلاف، وهكذا يتنامى العدد بشكل مذهل، لنفيق ذات صباح وقد بلغ عدد الإصابات حدود المئتي ألف وفق إشارة الدكتور الربيعة.

هنا تكمن أهمية التقيد بقواعد المنع المفروضة، ولأجل منع انتشار ذلك الوباء، وبلوغ حالتنا الصحية الاعتيادية، يجب الضرب بيد من حديد على كل من لا يلتزم بتلك القواعد والإرشادات، إذ ليس من العدل أن يتأثر الغالبية الملتزمون بسلوك زمرة لا مبالية متهاونة.

على أن سؤالا قائما في ذهن كل أحد وهو: إلى متى سنستمر في قواعد المنع المفروضة؟ وما المدة التي يمكن للنفس أن تطيق بقاءها في حجرها الإلزامي؟ ولا سيما إذا أخذنا في الاعتبار تغير طبيعة الظروف المكانية بين شخص وآخر، ومدى توفر الوسائل المساعدة للتكيف من بيئة لأخرى؟

حتما الأمر مُدرك بحيثياته في غرفة عمليات إدارة هذه الجائحة، ولا شك أن وعي المسؤولين كبير بسلوك الناس ومدى قدرتهم على البقاء، ومرصود لديهم ذلك وفق دراسات نفسية منهجية، وحديثي هنا هو من نافلة القول بالنسبة لهم، ومن باب المشاركة المجتمعية في أي عصف ذهني يمكن أن يثار خلال هذه الفترة لبيان كيفية التعاطي بجدية مع تداعيات هذا الوباء الكريه.

في هذا الإطار تواترت الروايات العلمية بأن فايروس كورونا سيستمر عدة أشهر، وأن تأثيره السلبي سيبقى سنوات لاحقة، مع حرص العالم على اكتشاف مضاد حيوي له، وفي حينه سينتهي تأثيره بشكل كلي تقريبا، وحتى نصل إلى ذلك: هل من المقبول أن نستمر في إجراءات الحجر المنزلي بشكل دقيق كما هو حاليا؟ أم الأجدر أن نكثف الجهد لرفع مستوى الوعي المجتمعي في سبيل التعاطي بصورة أمثل مع هذا الوباء، وفرض قوانين إجرائية تحد من تأثيره في المستقبل المنظور؟

ومن ذلك مثلا في قابل الأيام وبعد انتهاء فترة المنع أن نعتمد في إطار المساجد باعتبارها مركزا للتجمع البشري فرض حمل كل مصلٍ سجادته الشخصية حال دخوله أي مسجد، ليصلي عليها منفردا دون مشاركة من يجاوره، سواء باللمس العارض أو السجود، وبذلك نضمن ألا ينتقل أي أثر للفايروس مستقبلا بالملامسة من الأرض إلى المصلي حال السجود بشكل خاص، مع إجراء التعقيم اليومي لبُسط وأرضيات كل مسجد، وتوزيع سائل التعقيم اليدوي في كل موقع عام ومنها المساجد طبعا. ناهيك عن اتخاذ مزيد من الإجراءات الاحترازية في مواقع التجمعات الأخرى كالمراكز التجارية والأسواق الشعبية.

بقي أن أقول وبفخر كبير إننا نعيش في وطن قد حاز قصب السبق متصدرا العالم في رعاية أبنائه وحمايتهم من كل مكروه، بما اتخذه من إجراءات احترازية، وتوفيره لكل ما يحتاجه الوطن ليكون آمنا مطمئنا، ويبقى واجبنا نحن أن ندرك بوعي وأخلاق قيمة ما يجب الاهتمام به من سلوك وفعل حضاري ولا سيما في الملمات، وحين يدلهم الخطب.

zash113@