عبدالحليم البراك

أشياء خطيرة علمتنا إياها مرحلة كورونا

الاثنين - 06 أبريل 2020

Mon - 06 Apr 2020

لعل أكثر شيء تعلمناه من هذا الوباء روح الانضباط الجماعي على مستوى الأفراد كلهم كوحدة مكونة الدولة، بسبب أن مسؤولية البقاء في المنزل مسؤولية الجميع، وإن كان ثمة ما يفيد من عبارة هنا فهي عبارة في غاية الخطورة لأحد المثقفين: تعلمنا أن نتخلى عن الأنانية وأن نكون معا، لأن الأناني سيغرق وسيغرقنا، وبعيدا عن هذه الروح الجادة، في حياتنا اليومية تعلمنا أشياء كثيرة أخرى، وإليكم بعضا منها:

- تعلمنا أن الحياة يمكن أن تسير بدون استراحات، لقد عاش السعوديون بلا استراحات أخيرا، ولم يمت أحد، ولم يتضرر أحد، ولم نر حالات جنون في الشارع، بل الجميع عاش وضحك وارتاح بلا استراحات، وكل ما نراه من خلافات أسرية مزعومة بسبب الجلوس في البيت لا تتجاوز أن تكون من مداعبات برامج التواصل الاجتماعي، إلا إن كان ثمة حقيقة عن هذا لا يعلمها كاتب هذه السطور.

- تعلمنا أن نعيش بلا مطاعم، وأن طبخ البيت أطيب وآمن وألطف من أي مطبخ آخر، يديره عامل لا نعلم مستوى نظافته اليومية، فحتى لو كان طبخ البيت أقل جودة من ناحية الجاذبية والرائحة إلا أنه صحي جدا وقليل الملح والسكريات، وكما قال أحد الحكماء: الطعام الذي يصنع بالبيت لأهل البيت من ربة البيت يصنع بحب، مهما كان سيئا.

- تعلمنا أن المحلات التجارية يمكنها أن تقفل في الساعة السابعة أو قبلها أو بعدها، دون أن تحل علينا كارثة أو نجوع أو نموت قبل أن يظهر الفجر للعيان، وإقفال معظمها في الأيام العادية فيه فوائد أمنية واقتصادية وتقليل للبطالة بين الشباب والبنات، وتوفير للطاقة والبنية التحتية.

- تعلمنا أن نكبح جماح السفر، وأنه يمكن للناس أن يعيشوا دون سفر، وأن يمضي عليهم شهر وشهران وسنة وسنتان دون أن يتبرموا من قرارهم في مدنهم وبلدهم، وأن الحياة تستمر بلا طيران أو قطارات وأن المدن صارت تتسع لأهلها.

- تعلمنا أن نتخلى كثيرا عن كماليات الحياة عندما أقفلت المولات، فليس من الضرورة أن نتابع خطط الموضة والسينما كأننا لا نستطيع أن نعيش دونها، وكأننا لا نكون أقرب للإنسانية دونها.

- تعلمنا أن نضع برامج في بيوتنا، فأول المنع نجالس الأطفال ونعد لهم الأكل المشوي يوما والمطبوخ يوما والأكل الجديد يوما آخر، ثم في منتصف اليوم نعمل تلك الأعمال المؤجلة فنعتني بالمستودع، ونراجع ما نحتاجه في البيت وندفع ما لا نحتاجه لجمعيات البر، وفي آخر الليل نقرأ في كتاب، أو نرى فيلما، ونجالس العائلة ونختلط بها أكثر، ومعنى هذا تعلمنا أن تسعنا بيوتنا، ولا تسعنا الاستراحات والشوارع والكفيهات والمطاعم والسيارات.

- تعلمنا أيضا أن الوحدة ليست شيئا سيئا كما يقال، بل إنها دواء الاختلاط غير المدروس، فكم تضايقنا من الأصدقاء فعرفنا في هذه الأزمة أن الوحدة خير من بعضهم، وتأذينا من كثرة الحديث فتعلمنا الوحدة أن الصمت خير من الكلام الذي يؤذي ولا ينفع.

أخيرا وبمناسبة المنع، جرب السعوديون للمرة الأولى في تاريخهم المنع، ليس لأسباب سياسية ولله الحمد وهذا الذي لم يحدث قط، بل لأسباب صحية، وهذا من فضل الله علينا وعلى الناس، ولكن أكثر الناس لا يشكرون، فهي عظة لا نريد أن نعيشها مرة أخرى على أي مستوى كان، سواء صحيا أو غيره، حمى الله هذه البلاد من كل مكروه!

@Halemalbaarrak