فهد عبدالله

الخلوص الأخير في الرأي

الاثنين - 06 أبريل 2020

Mon - 06 Apr 2020

في كثير من الأحيان عندما تستعرض وتتأمل بعض الآراء الشخصية تجاه أمر ما، ومحاولة تفكيك جذور هذا الرأي بطريقة ثلاثية الأبعاد، من خلال معرفة الدوافع والمبررات التي جعلتك تتجه إليه، والبعد الثاني من خلال معرفة كيفية نشأة هذه الدوافع والمبررات ومراحل تكوينها، والبعد الثالث وهو التقييم الواعي لهذه الحالة بأكملها منذ نشأتها حتى مرحلة الخلوص الأخير في الرأي؛ حتما ستجد أن بعض الآراء كان للمجتمع والعادات والتقاليد والثقافة المجتمعية بشكل عام تأثير عليها، يتأرجح ارتفاعا وانخفاضا من رأي إلى آخر.

وهذا أمر طبيعي أن تتأثر سلوكيات وآراء الفرد بالمجتمع الذي يحتويه، لكون التفاصيل التكوينية ومساحات التأثير التي تراكمت عبر الزمن كانت من خلال هذا المجتمع، بل أغلب مدخلات التعلم والإدراك كانت عبره، لذلك كانت العلاقة وما زالت وطيدة بين الرأي وقالب المجتمع المعرفي، مما يقودنا إلى أهمية الوعي الفردي الذي لديه القدرة على تمييز الأدوار المؤثرة للمجتمع إيجابا وسلبا على صحة وجودة الرأي.

لذلك شئنا أم أبينا سلطة المجتمع غير المرئية نافذة على أفراده في الفكر والعادات والمشاعر أيضا، وهذا الأمر يرقى لأن يكون مسلمة عامة على بني البشر. وإن استطعت أن تعالج في نفسك بعض تلك الحيثيات التي يمليها عليك المجتمع لا يعني هذا أبدا أنك خرجت من تلك السطوة المجتمعية النافذة، ومناقشة هذا الأمر ليست في سياق الإيجابية والسلبية، وإنما هي وصف للسطوة المجتمعية على الفرد في طريقة التفكير والآراء والمشاعر.

الترقي في مجالات العلوم المختلفة وكذلك المصادر المفتوحة للتعلم يساهم بشكل كبير جدا في رفع الرتم والتعاطي مع المعالجات الفردية تجاه القناعات والعادات، من خلال تعزيز الصحيح منها ونبذ الخاطئ، وكلما كانت درجة الترقي عالية انخفضت معدلات تلك السطوة المجتمعية، ومع ذلك لن تلغيها.

وجود هذه المعطيات وحسن تفهمها وإدراكها يجعلان الفرد في حالة اتزان نفسي، يستطيع بها إيجاد معادلة صعبة التوازن، من خلال تفعيل العقل بشكل منهجي ومنطقي، بعيدا عن تأثيرات المجتمع السلبية وكذلك البعد عن الأحكام المعلبة التي لم تسبقها أسئلة: ماذا ولماذا وكيف، وفي أحد أطراف هذه المعادلة الأدب واللطف مع النفس والمجتمع عند احتدام وتباين الأمور، والانتقال المعرفي في القناعات إلى شيء جديد.

وهذه العلاقة الوطيدة بين المجتمع والفرد في قالبها التأثيري يمكن ترشيدها من خلال رفع مستوى الوعي الجمعي بمسائل التعايش وفنون الاختلاف والانفتاح على الآخرين وما هو جديد، وتوهيج سلطة العقل الفردي في ممارساته التقويمية والاستقلالية في حيازة الوعي، الذي تجعل منه قادرا على تمييز الصحة والخطأ في المدخلات المتسارعة واللامتناهية في اليوم والليلة.

والسير والتعرف على المجتمعات الأخرى ومعرفة ما لديها من علوم بشتى أنواعها، وثقافات وعادات وأشكال العلاقة التأثيرية، سواء كانت من المجتمع تجاه الفرد أو العكس أو بما يعرف بمفهوم المقارنات (Benchmarking)؛ يجعل من ميدان التأثير الذي يربط المجتمع بالفرد أكثر رحابة وجودة ورقيا بالمجتمعات والأفراد، وتحقيقا لسنة الله الخالدة في خلقه (وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا).

fahdabdullahz@