عبدالحليم البراك

فشل الإنسانية أمام فايروس!

الاثنين - 30 مارس 2020

Mon - 30 Mar 2020

لا شيء يثبت أن الإنسان كائن رشيد على وجه هذه البسيطة، كل الدلائل تؤكد أنه يعمل - أحيانا - بمعزل عن عقله الصغير، وعندما نقول عقله الصغير فإننا نقصد به حجما وقدرا، مؤكدين أن ذلك ينطبق على الغالبية العظمى، إلا أن ثمة ندرة في عقل إنساني يلوح في الأفق نتمنى أن يعلو صوته، لكن أزمة كورونا أثبتت أن الإنسان لا يحمل من صفة الإنسانية إلا القليل وإليك الدليل!

على مستويات كبيرة جدا ودولية، أنفقت الدول الصناعية على الصناعات الحربية وآلة نشر الموت أكثر مما أنفقته في الأبحاث لمعرفة سلوك فيروس أو تشخصيه بشكل مبكر، بل لو فعلت ذلك لربما استخدمت ذلك ضمن منظومتها الحربية، فسخرت أبحاثها الطبية لصالح آلتها الحربية.

أنفقت دول كبرى على أشياء لا نرى أي مبرر لها مقابلا لو أنفقت جزءا منه من أجل صحة الإنسان لكان أجدى، فأنفقت على مزاعم الوصول إلى القمر، وأنفقت ملايين الدولارات من أجل اكتشاف سديم غباري يبعد عنا ملايين السنوات الضوئية إن لم يكن مليارات السنوات، أنفقت على أقمار صناعية غير مفيدة، كان الأولى أن تكون لصالح صحة الإنسان وتعليمه ورفع مستوى الوعي لديه، أنفقت ملايين الدولارات من أجل قفزة بالهواء وإرسال سفينة فضائية تذهب لتعود!

لا تزال شركات الأدوية العالمية والأبحاث الطبية وصمة عار في جبين الإنسانية بسبب جشعها وتأخيرها لكل شيء، إلا باحتكار ومقابل مادي أضعافا مضاعفة عن سعر التكلفة، مقابل احتكار هذه المنتجات لمزيد من تكدس الأموال في يد أشخاص محددين، حتى إنه صار ليس سرا أن شركات الأدوية أشبه بعصابات المافيا وتنتشر فيها الرشاوى بشكل مخجل جدا.

أنفقت بعض الدول على الأفلام الهوليودية والمسلسلات الخيالية ما يفوق الخيال، مقابل سهرة ليلية للناس في وقت لم تنفق تلك الكيانات التجارية أي مبالغ مالية مقابل أقنعة الأوكسجين أو معقمات الأيدي أو برامج التوعية التي تحتاجها إيطاليا اليوم أو إسبانيا أو غيرهما من الدول.

ظهر الطب في أوضح صورة بالعجز عن تفسير سلوك فايروس كورنا، بما يمكن أن نسميه فضحية طبية عالمية لدرجة أنك تسمع نصائح حول الفيروس من عجائز نيسابور وتورا بورا وهولندا في وقت تغيب فيه الاستراتيجية الطبية العلمية بسبب انشغال الإنسان بالإنفاق غير المدروس على الحروب المتوقعة وتلبية جشع قلة من التجار.

العلم الذي كان ولا يزال الإنسان يراهن عليه بأنه هو آلة رقي الإنسان عن الحيوان، فشل في أن يأخذ الصدارة والأولوية في حياة الإنسان وصارت دوريات كرة القدم أهم، وأفلام الأكشن أهم، وحرب النجوم ومنظمة التجارة العالمية (رحمهما الله) أهم، وسلسلة لا تنتهي من عالم اللاضروريات مقابل ما هو محدق بالعالم من ضرورات لا تنتهي من معالجة الإنسان الذي يهلك اليوم بالآلاف.

أخيرا، أوروبا وربما معها أمريكا ستدفعان هذه الفاتورة، وربما تدفعها أكثر الدول النامية لأنها في بداية الأزمة حمت جناب التجار وشركات الطيران والترفيه والاجتماعات على حساب صحة الإنسان، فهل حان الوقت ليغير الإنسان نظرته نحو إنسانيته؟

@Halemalbaarrak