عبدالله المزهر

شـ كـ ر اً ..!

سنابل موقوتة
سنابل موقوتة

الاثنين - 23 مارس 2020

Mon - 23 Mar 2020

اليوم هو اليوم الأول من بدء سريان منع التجول الجزئي، إلى قبل أسابيع قليلة من الآن كان الحديث عن شيء من هذا لقبيل مجرد خيال شاطح. والحق أني أريد الكف عن تخيل سيناريوهات أسوأ، وأخشى أن أسوأ خيالاتي سيأتي عليها وقت ويكتب عنها أحدهم أن مجرد تخيلها قبل أسابيع كان مجرد تخيلات موسوس.

في هذه الأوقات العصيبة يوجد أشخاص يضحون بحياتهم حرفيا من أجل أن يبقى الآخرون في مأمن، العاملون في المجال الصحي يقدمون تضحيات يصعب على الأنانيين تخيلها، فكرة أن تذهب يوميا إلى مكان تكون فيه فرصة إصابتك بالعدوى أو المرض أكثر من أي شخص آخر فكرة نبيلة تستحق التأمل ثم الشكر والعرفان والامتنان، وقد سمعت بعض خلق الله يردد أن هذا عملهم وهذه وظيفتهم التي يتقاضون من أجلها رواتبهم، وفكرة الحديث عن الراتب والمال هنا تبدو فكرة مبتذلة بعض الشيء، لأن آخرين - وهم أكثر عددا وأكبر رواتب - يتقاضون هم أيضا رواتبهم، مع أن كل المشاركة المطلوبة منهم والعمل الذي يراد لهم أن ينجزوه هو أن يبقوا في منازلهم وأن يحرصوا على البقاء سالمين.

الجميع متساوون في فكرة الراتب هذه ولكن الأعمال ليست متشابهة، حين تكون جنديا في الجبهة وأحد مهام عملك أن تموت إن لزم الأمر، أو منتميا للمجال الصحي وتكون مهمة عملك أن تنقذ الآخرين حتى لو كان ذلك يعني أن تكون أنت عرضة للمرض، فالحديث هنا عن أنها «مجرد وظيفة» سيكون حديثا غاية في السخف والأنانية والابتذال.

بالطبع لا أقول بأن من لا يعمل في المجال الصحي لا يستحق راتبه، ولكني أقول إنه «يستحسن» أن يخجل قليلا، عند الحديث عن «المقابل المادي» حين يتطرق للعاملين في المجال الصحي، أو الذين يفترشون الأرض ويلتحفون السماء على جبهات القتال.

إن لم يشكرهم ولم يكن ممتنا لما يقومون به فلا أقل من أن يكف أذاه عنهم ويصمت، فالصمت في هذه الحالة سيكون عملا جليلا يستحق هو من أجله الشكر والامتنان.

وعلى أي حال..

رغم ما في الأوقات الصعبة من الألم والخوف والقلق إلا أنها دائما تتميز بأمرين، أحدها تشترك فيه مع أوقات السعة والرخاء والأمان، وهو أنها لن تدوم وسيأتي لحظة وتصبح ماضيا، والثاني يخص الأوقات الصعبة وحدها، وهو أن هذه الأيام تصهر الناس وتبرز معادنهم الحقيقية، يظهر الكل على حقيقته المجردة وهو أمر لا يتأتى في أوقات السعة.

agrni@