شاهر النهاري

العالم قبل وما بعد كورونا

الاثنين - 23 مارس 2020

Mon - 23 Mar 2020

بعد كل كارثة عالمية، لا بد للبشرية من التوقف وعيا، بمعرفة أن ما بعدها لن يكون مثلما قبلها.

فهم واستبصار لن يكون متهيئا لكثير من القيادات والدول، التي تعيش وسط هوادج أوهام، أو فوق مزلقان غرور، أو وسط مكب كذب وخبث.

ما أتى بعد الحرب العالمية الثانية كان مختلفا عما قبلها، ليس على المستوى الجغرافي والمدني والعسكري فحسب، ولكن على مختلف دقائق ومجالات الحياة الفكر، والوجود والنهضة، والمنعة والترقي والصحة، والتصنيع والعلوم والسيطرة، والمنفعة للبشرية أو الإضرار بها.

كل دولة توجهت لما تستطيع أن تبدع فيه وتتميز به عن بقية الأمم، وكان مصير بعضها التقوقع والانزلاق والتردي حينما توقفت عجلات أفكارها وطموحاتها وسط مطبات خراب الماضي،وتاريخه، وعجزت عن استيعاب الفروق، ونقد الذات وتحسين المسار، وتحين فرص التغيير وبلوغ المنعة والحصانة والتطور والكمال وخدمة الإنسانية.

ثم أتت أحداث تفجيرات البرجين بداية القرن الحادي والعشرين، فكان ما بعدها مختلفا بفظاعة عما سبقها، حيث طغت لغة العنف، التي تبنتها جماعات إرهابية تنتهج الفوضى والدمار والدموية، ودعمتها توجهات دول عظمى مستفيدة، وأخرى عميلة ملتوية في خفاء، مما جعل الحس الأمني للبشرية يتعاظم، وجعل العلوم والاقتصاد والتسليح والتقنية والصناعات الذكية، تتعاون بكل قدراتها لمواجهة هذا المستحدث، المتحدي للعقول والأساطين والقوانين.

رؤوس حضارات تفجرت وأعجاز شر انتصبت، وحضارات انحنت ومعاني اختلقت، ومخاوف تعاظمت بمكنون الشرور، ومن يحركونه ومن يقاومونه، ومن يدعون محاربته وهم من يصنعونه.

واليوم وبعد كارثة وباء الكورونا العالمية الفتاكة، والذي أرهب مليارات البشر، وعطل وغير أغلب قوانين السياسة والاقتصاد، وطوع تصرفات الأفراد والمجتمعات، وفضح ضعف استعدادات الصحة عالميا، وحفز نشوء القوانين المدنية والدولية المستحدثة والقرارات المرتعبة، ورسم المحذورات، على حاكم ومحكوم، يظل السؤال يتعاظم، فهل سيكون العالم بعد الكورونا، مثلما كان قبلها؟

والجواب بديهي، فنحن أمام جائحة مفصلية طاغية وعدو شرس، قد يزول وقد يزداد شناعة، والبشرية موعودة بتحولات جذرية في مراكز السيطرة الدولية، وتبادل مراتب أقطاب العالم سياسيا وعسكريا وتقنيا واقتصاديا وصحيا، فتحل دول وزعامات ومنظمات بديلا عن غيرها، وتبرز شعوب ناهضة حينما تجد لها مكانا وطريقا إلى مقدمة الأمم، وشعوب أخرى ممن كانت تدعي القدرة، ستنطوي في قعر حضارات العالم، ودول تضل طريقها نحو المستقبل، والحرية وقيمة الإنسان وصحته حينما تضعف وتتبعثر أولوياتها وأهدافها وقيمها.

الدول التي كنا نظن أنها شفافة حصينة قوية فاعلة في مواجهة الكوارث وفشلت، لن يعود لها مرجعية علمية ولا أمنية، ولا مصداقية ثقة صحية.

والدول التي بادرت وأخلصت وضحت وصنعت الفرق، ستحجز لها مكانا أفضل فوق منصات المستقبل، بتمكين الوعي والعدل والشفافية والعلوم والمعارف والقدرة.

نفسيا واجتماعيا عرفنا وقدرنا قيمة الأهل والمجتمع، والحب الذي تعالينا على حاجاته أخيرا بقدرة التواصل الالكتروني.

والحقيقة أن العبور إلى الفضاء الخارجي سيكون مقياسنا القادم الأكثر دلالة على من يستحق من الأمم أن يكون، وسنرى انتثار رماد الدول المدعية للهيمنة الزائفة، وانكفاء وانكشاف دول الشرور، وخروجها من مضمار السباق، وسنرى تعملق دول شفافة ناهضة استوعبت الدرس، وتسارعت خطواتها لبلوغ أحد كواكب النجم (ترابيست واحد)، قبل غيرها.