عبدالله قاسم العنزي

أثر الإجراءات الوقائية على عقود المنفعة

الاحد - 22 مارس 2020

Sun - 22 Mar 2020

بعد مضي فترة على إعلان منظمة الصحة العالمية أن وباء فيروس كورونا المستجد (كوفيد 19) جائحة عالمية وانتشاره في أكثر من 170 دولة، اتخذت الجهات المختصة في الدولة حزمة إجراءات وقائية واحترازية، انطلاقا من الحرص على حماية صحة المواطنين والمقيمين، وضمان سلامة الصحة العامة بالمجتمع، شملت إغلاق قصور الأفراح والمناسبات والاستراحات، والنقل الداخلي بكل وسائله، وغيرها من المشاريع التي أوقفت بشكل شبه كامل.

وبالتأكيد أن لهذه الأعمال التي أوقفت مؤقتا لظروف الراهنة علاقات تعاقدية، ومنها عقود منفعة مثل عقود الإيجار التي يستأجر فيها المستأجر منفعة مقصودة من الشيء المؤجر لمدة معينة، لقاء أجر معلوم كالاستراحات أو قصور المناسبات أو الطيران ونحوها، وعلى ضوء هذه الإجراءات تثار تساؤلات عدة من المواطنين تجاه قيمة العربون المقدم لقصور المناسبات والفنادق مثلا، ويصل بعضها إلى عشرات الآلاف، فهل يحق للمتعاقد فسخ العقد واسترجاع العربون - المبلغ - المقدم للمؤجر؟

هنالك إجابات متباينة بين المختصين من المحامين ورجال القانون، بين من يقول إنها تنفسخ العقود بالقوة القاهرة، لاعتبار أن كلا المتعاقدين ليس له إرادة بسبب القرار الإداري، وهذا غير صحيح على إطلاقه، ويحدث تشويشا بين الناس وتأزما في العلاقة، فمن وجهة نظري هنالك إشكال عند بعض القانونين في التفريق بين الظروف الطارئة، وبين القوة القاهرة التي يستحيل معها تنفيذ الالتزام إطلاقا!

فأقول أولا: لا بد من التوضيح، هل نحن في ظل هذه الإجراءات الاحترازية - من الناحية القانونية - أمام قوة قاهرة أم أمام ظروف طارئة؟ فالقوة القاهرة كما وضح فقهاء القانون المدني تعتبر مانعا من موانع المسؤولية العقدية، يستحيل معها تنفيذ الالتزام، مما يؤدي إلى فسخ العقد مباشرة، أما الظروف الطارئة خلافا للقوة القاهرة لا تفسخ العقد ولا تلغي الالتزام! بل تجعل الالتزام مرهقا ولكن ليس مستحيلا، ويبقى المدين ملزما بتنفيذ العقد، وهذه الظروف التي فرضت حزمة من الإجراءات الاحترازية المؤقتة تجعل العقود بين المتعاقدين مرهقة إلى حد ما.

وعلى ذلك فالمستقر في القضاء عدم رد العربون في مثل هذه المعاملات، لأن الواقعة الأصل فيها أن مالك صالة الأفراح أو قاعة المناسبات أو الفندق ليس مماطلا في تقديم الخدمة، وملتزم بذلك، ولا يوجد عيب في الموقع الذي يلتزم بتجهيزه في يوم محدد للمستأجر، وعلى ذلك فالعرف عند التجار هو عدم رد العربون إذا كان الترك من قبل المشتري، ما لم يكن ثمة عيب في المبيع، والعرف محكم في مثل هذه الوقائع، فالقضاء هو الذي يقدر ما إذا كانت الواقعة المعروضة أمامه تعتبر قوة قاهرة أم لا، ولا تعتبر القوة القاهرة من النظام العام حتى نتعذر بها بفسخ العقود في ظل هذه الظروف المؤقتة.

لكن للقضاء إذا كان التنفيذ مرهقا لأطراف العقد، بحيث تطول مدة الحظر في مثل هذه الظروف؛ رد الالتزام بين المتعاقدين إلى حد المعقول، فيما يضمن مصلحة كلا المتعاقدين أو فسخ العقد بينهما.

ABDALLUHALANZI@