بندر الزهراني

إنهاء الفصل الدراسي شجاعة في الانتظار!

السبت - 21 مارس 2020

Sat - 21 Mar 2020

إذا ما نظرنا لكمية المحتوى العلمي الذي قدمته الجامعات لطلابها قبل أن يأتي قرار تعليق الدراسة - بسبب الخوف من تفشي وانتشار فايروس كورونا، فإننا سنجد أن المحتوى العلمي المقدم هو في المتوسط ما نسبته تتراوح بين 35 و45% من المقرر في كل مادة، وهذا أمر طبيعي ومنطقي، ولو حسبنا الزمن الفعلي المتبقي من الفصل الدراسي الحالي لوجدناه على الأغلب لا يتجاوز 45 يوما، وقد يستمر تعليق الدراسة طيلة هذه المدة، وقد لا يعود الطلاب إلى جامعاتهم لأداء الاختبارات، وإنما يؤدونها عن بعد، وهذه افتراضات وتوقعات وارد حدوثها، لذلك بعض الجامعات رأت أن تنهي مناهجها الدراسية قبل بداية شهر شعبان، تحسبا لتقديم اختبارات نهاية العام، أو لشيء من هذا، وبعضها الآخر باشر بإلغاء الاختبارات، واستعاض عنها بالتقييم الأسبوعي من خلال منصات التعليم عن بعد، وكل هذه إجراءات مقبولة، ومرحب بها، ولا غبار عليها.

ولكن بعد أن أظهرت عمادات التقنية وعمادات التعليم الالكتروني في الجامعات المحلية بعض القصور - ولا أقول كل القصور، فهناك محاولات واجتهادات معتبرة - في احتواء ضغط أنظمتها الالكترونية في أوقات متداخلة أو متباينة مع بعضها، أصبح من الواجب على إدارات الجامعات اتخاذ قرار ما، بحيث يخدم مصلحة الطلاب أولا، ويتناغم في شكله ومضمونه مع قرارات الدولة، خاصة أن وزير التعليم أحال اتخاذ القرارات في مثل هذه الأحوال إلى الجامعات نفسها، إلا أن الجامعات تبدو مترددة وتنتظر التوجيه من الوزارة في أي قرار تنوي اتخاذه، وأحسب أن معالي الوزير حينما أعطى الجامعات الحرية في تقرير المصير قد وضع البيروقراطية جانبا، ونحّاها بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، غير أن من تعود عليها وأدمن ممارستها لن يستطيع التخلص منها هكذا سريعا، ولو نجح في التخلص منها جزئيا فإنه لن يحسن الأداء بغيرها!

من وجهة نظري الشخصية، أرى أن قرارا كقرار إنهاء الفصل الدراسي الحالي يعد قرارا شجاعا حكيما، لو تم، فهو يتسق اتساقا كاملا مع قرارات الدولة، وينسجم مع مصلحة الطلاب، ولكن كيف يمكن أن يحدث ذلك؟ أليس فيه تفويت للفرصة على الطلاب! وتضييع لمجهودات الأساتذة والجامعة؟

أليس فيه إرباك للخطط الدراسية؟! والجواب قطعا: بلى، إلا لو قُيد بمجموعة من القيود والضوابط، وهي سهلة وممكنة، فعلى سبيل المثال، يتم تقدير محتوى المواد العلمية التي لم يدرسها الطلاب، وترحل إلى مناهج لاحقة في الفصل القادم أو في الفصل الذي يليه، ويعطى كل الطلاب درجة «غير مكتمل»، حتى إذا جاء الفصل اللاحق، يجري اختبار الطلاب في أول أسبوع منه، وتحتسب درجاتهم على أساس ما تم تحصيله في الثلث الأول من الفصل الحالي إضافة لدرجات الاختبار، أو يترك الأمر مفتوحا للجامعة تقرر هي طريقة تقييم طلابها.

إن إشكاليات التعليم عن بعد التي برزت في هذا الظرف الصحي العارض أعطت مؤشرا على عدم الجاهزية لدى الجامعات من جهة، ومن جهة أخرى كشفت عدم الجدية ونقصا في الوعي لدى الطلبة أو لدى أسرهم، وفي الحالتين الخسارة واحدة، وحتى نتغلب على هذا الوضع، ونخرج من هذه الحالة، علينا أن نتحلى بشيء من الشجاعة ونتحمل المسؤولية كما ينبغي، ونخرج بقرار ينفع الطلاب ويوفر لهم الأمان الصحي الذي كفلته الدولة ورعته وتعهدت بتنفيذه، وفي الوقت نفسه نخفي ونستر عيوب التعليم عن بعد، التي هي في الواقع عيوبنا نحن، ونعطي الجامعات فرصة لالتقاط الأنفاس، وترميم ما يمكن ترميمه بعد طوفان الكورونا الغائب مظهره والحاضر أثره!

ليس هذا فحسب، بل إن في إنهاء الفصل الدراسي الحالي منفعة كبيرة للطلاب نفسيا وحتى علميا، فعلى المستوى النفسي يجد الطالب ارتياحا داخليا أنه قد أنهى الفصل ولم يذهب جهده سدى، بل بقي محفوظا، وبقيت فرص استحقاقاته محفوظة كذلك، ومن الناحية العلمية نجد أن قرار الإيقاف يحفظ المحتوى العلمي، على اعتبار أن تقديم المادة العلمية عبر وسائل التقنية لا توصلها كما ينبغي، بل تكون مختصرة أو غير مكتملة، وربما وصلت مشوهة! وهذا ليس تجنيا على التقنية، وإنما هو واقعنا، وعلى أي حال، وسواء استمر التعليق أو أنهي الفصل الدراسي، تظل لائحة دعوى إخفاق الأنظمة الالكترونية في الجامعات المحلية مفتوحة، وتظل محاسبة المسؤولين عنها محل ترقب وانتظار!

drbmaz@