محمد الصلاحي

الحرب ضد كورونا

الخميس - 19 مارس 2020

Thu - 19 Mar 2020

يخوض العالم مجتمعا حربا شاملة وقائية وعلاجية ومصيرية ضد كورونا، تتحد فيها كل الدول ضد عدو لا يرى بالعين المجردة، وتتشارك الدول المخاوف منه والأهداف من أجل القضاء عليه، فالمخاوف من الأوبئة هي وحدها التي تتفق فيها مخاوف كل الدول، ذلك أن الأوبئة والفيروسات لا تعترف بحدود جغرافية، ولا تميز بين المستهدفين.

صنف فيروس كورونا على أنه الأخطر مما سبقه، وحققت الدول لمكافحته أعلى درجات الاحتياط والإجراءات الوقائية، وتكمن خطورة كورونا في ثلاث نقاط لم تكن في سابقاته، أولاها: سرعة انتقال العدوى، وثانيتها: عدم ظهور الأعراض على الشخص المصاب خلال عدة أيام، تصل إلى نصف شهر، بالتالي لا تعرف إصابته، مع احتمال نقل العدوى للمختلطين به دون معرفة المصاب ولا من انتقلت العدوى لهم، وثالثة المخاطر: بقاء الفيروس حيا في الهواء والأسطح عند خروجه مع رذاذ العطس لمدة تتفاوت من أربع ساعات في حدها الأدنى إلى ثلاثة أيام كحد أقصى، وفقا لنوع السطح المحتضن للفيروس بعد خروجه من الشخص المصاب.

لم نكن نتوقع يوما أن تتوقف مطارات العالم عن الرحلات الدولية، وأن تغلق كل دولة أجواءها، وتمنع القادمين من الخارج، لم نكن نتوقع يوما أن يتم العزل على مدن كبرى بكاملها، أو أن تعزل الدول نفسها، وأن تقف حركة الحياة بكاملها في مدن صاخبة، لكن هذا حصل، وشاهدناه بكل تفاصيله.

المواجهة مع كورونا تختلف عن كل مواجهة يمكن أن تخوضها دولة ما أو دول بمجموعها، ضد تحديات قائمة، فعادة محاربة التحديات سواء كانت كوارث طبيعية أو من صنع البشر يكون بشكل لا يعوق حياة المدن بشكل كامل، ولا يعطل المصالح الخاصة والعامة داخل جغرافيا كل بلد وبين الدول كذلك، غير أنها هنا تختلف، فالعلاج هنا في هذا الوباء يتعلق بدرجة أولى في طرق عزل المصاب، وحجر المشتبه به، ومنع الحشود، وإغلاق المصالح والمتاجر لضمان عدم التواجد الكثيف، وهذه الإجراءات الوقائية تأتي أولا قبل العلاجات الدوائية لسلامة المصابين وسلامة مجتمعهم، وهكذا دأب الحال طوال قرون مضت عند مواجهة أي مرض سريع الانتشار، سهل العدوى، مخاطر تفشيه عالية.

هي المرة الأولى في عشرات السنوات يحدث فيها أن مرضا يتسبب بقلق عالمي مشترك، وإجراءات صحية صارمة، وكساد تجاري شبه تام في الدول ذات الاقتصاديات الكبرى، والتي انتشر فيها الفيروس بنسبة كبيرة، مما يعكس أن الأوبئة سلاح فتاك، وفي حال لم تتم مواجهتها بما يجب فلن تستثني أحدا، ولن تقف عند حد جغرافي، فالكل هنا سيصبح معرضا لها، وكل دولة في دائرة التهديد.

وأمام هذا الاستنفار الذي يشهده العالم أجمع لمواجهة كورونا، يحدونا الأمل والتفاؤل والثقة كمقيمين على أرض المملكة بقدرة أجهزتها المعنية على حصر انتشار الفيروس، وتقليل أعداد الإصابات به من المخالطين للمصابين القادمين من دول موبوءة، وكذلك علاج المصابين به، وهذا يتحقق بتكامل الجهود البشرية للكل مواطنين ومقيمين مع الجهود الرسمية، والامتثال للقرارات المتخذة والكفيلة بتقليل مخاطر الإصابة به، وكذلك رفع الوعي المجتمعي بضرورة انتهاج طرق السلامة.

والمملكة بما تمتلكه من خبرات وقدرات على إدارة عالية الجودة للحشود البشرية يتجلى هذا الأمر في إدارة موسم الحج، والازدحام المليوني في نطاق جغرافي صغير، تمتلك كذلك القدرة على إدارة الأزمات وإفراغ الحشود، وتحقيق فرص تضمن النجاح في هذه المواجهة.

كل جهد تقوم به دولة ما لمكافحة كورونا هو جهد يخدم كل البشرية، فوباء كهذا سهل الانتشار، أولوية القضاء عليه تستلزم قيام كل دولة بجهدها في إطار جغرافيتها، وكذلك في بذل جهود تساعد الدول الأقل قدرة على مواجهة هذا الوباء. الأمر هنا أشبه بحرب، يتفق العالم فيها أجمع وتتحد مواقفه على مواجهة هذا الفيروس بطرق الوقاية، وسعي الدول المتقدمة ومراكز الأبحاث لإيجاد مصل مضاد له، ويتمنى كل سكان الأرض الخلاص والخروج من هذه الحرب منتصرين، وبفارغ الصبر ينتظرون العلاج واللقاح الذي يقضي على هذا الوباء.

@Mohamed_alslahi