عبدالله محمد الشهراني

أزمة #كورونا بين بياض الوجه وسواده

الأربعاء - 18 مارس 2020

Wed - 18 Mar 2020

توجهت إلى المنزل لأبدأ العمل عن بعد، كمثل أغلب الموظفين في البلد (الشريحة الأكبر). أستيقظ باكرا وأجهز (لاب توبي) الخاص وأعد القهوة، وأثناء هذه التحضيرات أسمع صوت باب سيارة يفتح.. ثم صوت محرك السيارة، أفتح النافذة قليلا فأجد جاري فني الأشعة متوجها إلى عمله. انطلق الجار بسيارته وغادر الحي، وبقيت أنا واقفا في مكاني (متنح).. أتساءل: ما المخاطر التي أواجهها أمام ما يواجهه هذا الشاب؟! (بيض الله وجهك يا جار).

بياض وجه:

لحظات صعبة نعيشها أظهرت لنا معادن نفيسة، رجال وسيدات لا يمكن أن نكافئهم إلا بالدعاء. يغادرون بيوتهم ويخالطون المرضى بكل إنسانية. أُم لطفلين تتوجه إلى عملها في المستشفى، تعود وهي في غاية الحيرة، تحدث نفسها وهي في طريق العودة إلى منزلها: هل أنا حاملة للمرض أو مريضة أصلا؟ فتقرر أن تمتنع عن لمس أو تقبيل أطفالها خوفا عليهم. وطبيب يغادر مريض عيادته ليدخل هو في دائرة الشك، هل كنت في كامل حيطتي؟ هل عطس؟ هل أخرجت الكمامة؟ لم هذا الصداع؟! أسئلة وشكوك لا يلام عليها، فهناك أطفال وزوجة ووالدان في البيت، وآخر ما يتمناه أن يصيب أيا منهم بأذى.

رسالة أوجهها لكل أفراد وزارة الصحة بدون استثناء «أذهلتمونا ورب الكعبة»، إخلاص وصبر وتفان وتضحية، معلومة سريعة، احترازات وإجراءات وقائية، سيطرة على الوضع واحترافية في التعامل، قتل سريع لأي إشاعة، «إيش العمل الجبار هذا.. ما شاء الله تبارك الرحمن».

وداخل الطائرة، يختلط الملاحون بالمسافرين ساعات طويلة، ثم يكتشفون عند الوصول أن مصابا أو أكثر كانوا معهم على متن الرحلة، نعم الموضوع يصبح مرعبا لهم، ويدخلون دائرة الريبة والحذر، لكن سرعان ما تغلب عليهم روح المسؤولية ويلبون نداء الواجب، بل تجدهم في مقدمة الصفوف لا ينتظرون سماع النداء، يتهافتون على العمل دون أمر، يتواصلون بينهم لمعرفة حالة الطيار/ المضيف الفلاني، ويتصلون بالمضيفة الفلانية ليقولوا لها: نحن أهلك وذووك فلا تقلقي (وهم في الحقيقة قول وفعل).

رسالة إلى الملاحين «والله.. نحن فخورون بكم»، نتداول قصصكم بكل اعتزاز بين أهلينا ومع أصدقائنا، فقد ضربتم أروع المثل في التعاون وتحمل المسؤولية.

لكل من غادر منزله في هذه الأيام، الجهات الأمنية بكل فروعها، موظفي القطاعين العام والخاص، موظفي المطارات، الجمارك: «بيض الله وجيهكم».

سواد وجه:

لكل من استغل هذه الأوقات «بعض شركات بيع التجزئة والصيدليات» ليجني أرباحا ضخمة، متاجرا بالمطهرات أو الكمامات أو القفازات أو المواد الغذائية.. إلخ، رافعا السعر إلى أضعاف «سوّد الله وجهك». لكل من لم يقدّر هذه اللحظات، مطالبا باستحقاقات مالية لا تؤثر على وضعه المالي «سوّد الله وجهك». لكل ملياردير عاش طوال السنوات الماضية يجني الأرباح الطائلة ونسي وطنه وأهله الآن، ولم يطرح مبادرة ولم يقدم مساعدة «سوّد الله وجهك».

أجركم عند الله يا أصحاب الوجوه البيضاء، سيرتكم العطرة سوف تطرّز كتب التاريخ، الذي لن ينسى أيضا أصحاب الوجوه السوداء.

ALSHAHRANI_1400@