مرزوق تنباك

التعليم عن بعد ليس الحل

الثلاثاء - 17 مارس 2020

Tue - 17 Mar 2020

أشياء كثيرة في حياة الناس تحدثها الأزمات والطوارئ والحاجات وتجبرهم على الأخذ بها، ثم لا تلبث بعض هذه الأشياء الجديدة عليهم حتى تصبح شيئا صالحا للعمل والاستعمال، يمارسونه ويتعودون عليه، بل قد يصير العمل به أسهل مما عرفوه من قبل وأصلح للحاجة التي أوجدتها، ثم يصبح مألوفا والعمل به مناسبا وعادة متبعة، من ذلك ما يعالجه الناس في هذه الأيام وخاصة في التعليم ومحاولة الانتقال به من عالم الواقع المعروف للجميع إلى العالم الافتراضي، الذي لا يحسنه كثير من الناس، وهو من الطارئ الذي أوجدته الضرورة، اتقاء لما يترتب على التجمعات الكبيرة والحشود المجتمعة التي يحتاجها التعليم المباشر من خطورة انتشار مرض الكورونا المستجد سريع العدوى.

فقد أصبحت مؤسسات التعليم في العالم بين خيارات كثيرة، الخيار الأول استمرار الدراسة، وهو أخطر الخيارات وأشدها رفضا من الناس كافة حيث احتمال انتشار العدوى بشكل يعطل العناية الصحية للعدد القليل الذي قد يصاب في حالة حصار المرض وتقليل انتشاره بين التجمعات الكثيرة، والخيار الثاني التوقف عن الدراسة حتى ينتهي الوباء الذي لا يعلم نهايته متى تكون إلا الله، مع ما يترتب على هذا الخيار من ضياع لكثير من الأعمار والوقت وهدر الساعات الكثيرة، وانتظار نهاية لا يعلم أحد متى تكون، وهي مجازفة غير مضمونة العواقب، والخيار الثالث اللجوء إلى الفضاء الافتراضي الواسع، وهو أقل الخيارات خطورة وأقلها نفعا، وأكثرها حلا وسطا بين كل الخيارات الممكنة، وقد صار استعمال الخيار الافتراضي هو ما يميل إليه كثيرون عندنا.

والدافع لكل تلك الخيارات هو الحذر والخوف من تجمع الطلاب ومعلميهم في مكان واحد مزدحم ينشر العدوى ويعممها، والأفضل تجنب هذه التجمعات، وهو حذر مفهومة أسبابه، لكن تقويم الفائدة من التعليم عن بعد هو الآخر يواجه مشاكل كثيرة تقلل من أهميته أو تكاد تلغيها من أساسها، وهذه المشاكل تختلف من حال إلى حال ومن مؤسسة تعليمية إلى أخرى ومن معلم إلى زميله، حتى ولو كانوا في المؤسسة نفسها التي تجري التعليم من بعد.

أولى المشكلات هي الوسيلة التي من خلالها يجري التواصل بين الطالب والمعلم، فليس كل الطلاب تتوفر لديه المعرفة باستعمال وسيلة التواصل التي عن طريقها يتم التعليم عن بعد ولا المعلمون أيضا، وليس كل الطلاب ولا أكثرهم تتوفر لديه القدرة على تأمين الوسائل المطلوبة للتعلم، ومثلما يكون لدى الطلاب أو بعضهم مشكلات فنية أو مالية تحول دون تحقيق الهدف من الدراسة من بعد، فكذلك المعلمون أو بعضهم.

وقد تكون الأغلبية ليست لديهم المهارات الكافية لاستعمال ما يتطلبه التعليم الافتراضي، ولا سيما عند مؤسسات التعليم في المناطق البعيدة والجامعات الناشئة، التي ما زالت تعاني من كثرة الإقبال من الطلاب، وقلة الإمكانات التي يجب أن تتوفر لعملية تربوية صالحة تكون بديلا معقولا للتعليم المباشر، حتى ولو عند الضرورة مثلما يمر به الناس اليوم من الضرورات التي أحوجت للبحث عن البدائل الممكنة عن التعليم المباشر، الذي هو أساس التعليم السليم والمعتمد منذ القدم.

أما الاحتمال الأخير والحل المقترح فهو التسريع في الاختبار، والاكتفاء بما تم تحصيله من المنهج الدراسي المقرر، فالذي بقي على الدراسة الفعلية في الجدول المعتمد للعام الدراسي كله أقل من خمسة أسابيع، وهي مدة ليست طويلة، وهذا الخيار سيجعل الابتعاد عن التجمعات المزدحمة ممكنا، ويوفر ما يسمى العزل المنزلي الاختياري والاحتراز التطوعي، وهو ما تتبعه أكثر البلاد المصابة بانتشار الفيروس مثل الصين وإيطاليا، وحتى أمريكا بدأت بعزل نفسها عن العالم خوفا من توسع قاعدة المصابين بالمرض.

في النهاية، إن ما قامت به الجهات المسؤولة من احتراز واحتياط هو مما تشكر عليه، وهو ما قلل من خطورة الانتشار الذي أصاب بعض البلدان، وقانا الله شر الأمراض.

Mtenback@