طلال الشريف

أين نحن من خطط التعاقب القيادي في الجامعات؟

السبت - 14 مارس 2020

Sat - 14 Mar 2020

يعد العنصر البشري القيادي المؤهل أهم ميزة تنافسية تحرص عليها المؤسسات المتطورة لضمان استقرارها، وتنفيذ خططها الاستراتيجية وتحقيق أهدافها، ويشكل تسرب القيادات في صوره المختلفة من الانتقال أو الترقية أو الاستقالة أو التقاعد أو الوفاة أو أي شكل آخر من أشكال التسرب القيادي؛ تحديا كبيرا أمام القيادات المعاصرة، ما لم يكن هناك خطط للتعاقب القيادي يمكن من خلالها المحافظة على الاستقرار القيادي وتطوير مستوى القادة، في ضوء متطلبات واحتياجات المؤسسات وأهدافها المتجددة.

وتكمن فائدة التخطيط للتعاقب القيادي في ثقة المؤسسات في قدرات قياداتها، وتحديد الاحتياجات التدريبية لهم، وتشجيع ثقافة الجدارة، وتطوير قدرات الموظفين ومهاراتهم القيادية، وتجنيب الخطأ في عملية اختيار الموظفين للمناصب الهامة.

والتخطيط للتعاقب القيادي عملية منظمة ومدروسة بهدف ضمان استدامة القيادات في الوظائف القيادية والحفاظ على رأس المال المعرفي والفكري وتطويره للمستقبل، ويتضمن تقييم وضع المؤسسة القيادي، وتحديد الوظائف القيادية الهامة واستراتيجياتها وأهدافها ووصوفاتها وجداراتها، واختيار المرشحين وتحديد الفجوة بناء على مقارنة الجدارات الحالية والمستقبلية، ومراجعة الفجوة لكل مرشح ووضع البرامج التدريبية المناسبة له والاجتماع معه لدعمه وتطوير مهاراته، ومتابعة أداء المرشحين وخطط تطويرهم ومدى جاهزيتهم للمناصب القيادية. وهو جزء من نظام إدارة المواهب يشمل استقطاب الأفراد ذوي الأداء المتميز ودعمهم وتطويرهم من أجل استبقائهم والاستفادة من موهبتهم.

والجامعات في أي بلد هي الأنموذج المثالي للقطاعات الأخرى العامة والخاصة في تطبيق وممارسة الاتجاهات الإدارية الحديثة كالتخطيط للتعاقب القيادي، والجامعات المتقدمة والمنافسة تهتم بخطط التعاقب القيادي كجزء من خططها الاستراتيجية، وتعمل على خلق أجيال من القيادات الجامعية المستقبلية على كل المستويات، وتسعى للمحافظة على تدفقها لضمان الاستقرار القيادي، وعدم حدوث أي فراغ في وظائفها القيادية.

إلا أن الملاحظ غياب خطط التعاقب القيادي في معظم جامعاتنا، وتنفيذ عمليات التعيين والتكليف والتأهيل للوظائف القيادية بطرق اجتهادية ومعايير تقليدية، في معظمها غير موضوعية وبعيدا عن التخطيط العلمي المنظم للتعاقب القيادي.

ومؤشرات ذلك كثيرة منها عدم وجود خطط للتعاقب القيادي مكتوبة ومعلومة ومعلنة، وفراغ كثير من الوظائف القيادية لفترات قصيرة وطويلة من الزمن، وتكليف بعض القيادات بتولي عدد من الوظائف القيادية في وقت واحد، وندرة برامج التدريب القيادي الخاصة بقيادات الصف الثاني، وعدم وجود خطط للتعاقب القيادي مكتوبة ومعلنة، وعدم وجود قوائم بالوظائف القيادية الهامة، وعدم وجود قوائم بأسماء المرشحين للوظائف القيادية المستقبلية، وغياب تحليل الفجوة في المهارات بين الوظائف القيادية الحالية للمرشحين والوظائف المستقبلية المرشحين لها.

وأعزو غياب خطط التعاقب القيادي في الجامعات إلى وجود بعض التحديات التي أغفلتها الجامعات، وأهمها: عدم إدراك الأهمية القصوى لهذه الخطط من قبل المعنيين بعمليات التخطيط الاستراتيجي في الجامعات، وأنماط القيادات الجامعية البيروقراطية وتمسكها بمعايير تقليدية تعتمد بالدرجة الأولى على توصيات وشفاعات المحيطين بالقيادات الجامعية، وضعف اهتمام الإدارة العليا في الجامعات بخطط التعاقب القيادي، وندرة المتخصصين في بناء خطط التعاقب القيادي، وضعف التكامل بين عمادات شؤون الأعضاء والموظفين وبين وحدات الجامعة لبناء خطط التعاقب القيادي، وضعف البرامج التدريبية المبنية على الاحتياجات التدريبية الحقيقية لتطوير القيادات، وضعف أنظمة التعين واختيار القيادات الجامعية عموما، وضعف نظام تقييم الأداء الوظيفي.

ولئن كانت هذه التحديات واقعية فإن تجاوزها ليس صعبا أو مستحيلا من قبل الجامعات، بل إنه في منتهى السهولة وضرورة ملحة لتطوير أداء قياداتنا الجامعية وتجهيز قيادات الصف الثاني وحتى الثالث، لضمان الاستقرار القيادي والتأهيل المستمر للقيادات وفق احتياجات الوظائف القيادية في مختلف المستويات، والمأمول أن تكون خطط التعاقب القيادي خاصة والتعاقب الوظيفي عامة، ضمن الممارسات القيادية والإدارية في جامعاتنا بما يمكنها من استثمار رأس المال المعرفي بفاعلية عالية.

@drAlshreefTalal