بندر الزهراني

كورونا.. فرس تحت رجلك أم فايروس؟!

السبت - 14 مارس 2020

Sat - 14 Mar 2020

يقال في الأمثال الدارجة «يوم الامتحان يكرم المرء أو يهان»، وهذا المثل بشكل أو بآخر يختصر حال الجامعات المحلية، ويصور المشهد الذي تعيشه في أزمة الانتقال من التدريس في الفصول الفعلية إلى الفصول الافتراضية، خاصة بعد قرار تعليق الدراسة احترازا واحتراسا من انتشار فايروس «كورونا»، وكنت أخشى أن تتعثر الأنظمة الالكترونية في جامعاتنا جراء الضغط عليها من قبل المستخدمين من الأساتذة والطلاب، وهذا ما وقع بالفعل، حيث امتلأت وسائل التواصل الاجتماعي برسائل التذمر والسخط على أداء أنظمة بعض الجامعات المحلية، ما حدا ببعض الأساتذة والطلاب للبحث عن بدائل أخرى تتيحها شركات عالمية إما برسوم معقولة أو مجانا على خوادمها الخاصة.

قرار تعليق الدراسة قرار صائب، بلا أدنى شك، وقرار استمرارها عن بعد هو الآخر قرار صائب، وليست هناك مفارقة بين القرارين، أبدا، ولكن المفارقة أن يأتي بينهما إخفاق تام لمنظومة كاملة من الأدوات والوسائل التعليمية الالكترونية، نحن في أمس الحاجة لها في هذه الأيام، و كانت قد صرفت عليها الدولة ملايين الريالات، ودعمتها دعما سخيا متواصلا، وكنا إلى وقت قريب نتباهى بها، ونراها منجزا واستحقاقا وطنيا، عطفا على ما يقال من كلام ترويجي يخرج من هنا أو من هناك، وعلى ما تنشره الإدارات الأكاديمية من أحلام وطموحات، ما انفكت حديثا عنها وتلميعا لها، حتى جاء هذا الكائن المجهري البسيط المدعو «كورونا»، فوضع حدا لأحلامنا الافتراضية المخبوءة خلف أقبية الفساد الإداري، للأسف، وللأسف الشديد!

وأرجو ألا يأتينا أحد من هؤلاء المتدثرين بالمثالية المصطنعة عند وقوع الأخطاء الكارثية، ليقول: هذا ظرف خاص، وله ما له من الاستثناءات، ولا بد أن ننحي النقد جانبا، ونحاول أن نتحلى بالهدوء مع أنفسنا أكثر من أي وقت مضى، وأكثر من أي وضع حرج مررنا به! ومثل هذا الكلام وإن بدا معقولا إلا أنه إنشائي لا فائدة منه، أي نعم هذا ظرف خاص، وله حالته الاستثنائية و الإنسانية، وصحيح أن هناك جامعات عالمية تعاني الخلل والأعطال نفسها، ولكن لو أننا كنا أكثر وضوحا في نقدنا، وأعلى شفافية في طرحنا وتناولنا لمثل هذه الموضوعات، وأكثر رقابة ومحاسبة مع الإدارات الجامعية، لما آل وضعنا في التعليم الالكتروني إلى الوضع الذي نحن عليه اليوم!

يقال إن أحد عميدي عمادات التعليم الالكتروني في زمن من الأزمان كان إذا تباهى يتباهى بأن جامعته لها «قصبات» السبق في مجال التعليم عن بعد، فلما كان «كورونا» هذه الأيام كانت خوادمها أول الساقطات! وهذه العينة من المسؤولين لا أجد لها وصفا يطابق واقع حالها إلا قول بديع الزمان الهمذاني: ستعلم إذا انقشع الغبار/ أفرس تحت رجلك أم حمار!

ويقال إن عميدا آخر أشاع تهديدا بين زملائه بأن إدارة الجامعة سوف تحاسب الأساتذة المتغيبين عن محاضراتهم الالكترونية حسابا

عسيرا! ما بال هؤلاء من المسؤولين! ألا يقرؤون ما يكتب عنهم، وعن فشل أنظمتهم الالكترونية! ألا يرون رأي العين إخفاقها في تحمل ضغط آلاف الطلاب والطالبات!

في الجانب الآخر هناك إضاءات رائعة وجميلة، تعطينا ملمحا مشرقا للتعليم عن بعد في المملكة، منها على سبيل المثال: قنوات عين التلفزيونية، فقد تفوقت في هذه الظروف على كثير من قنوات التعليم الفضائي ومنصات التعليم الالكتروني، ففيها تنظيم جيد للمواد التعليمية، وفيها نخبة ممتازة من المعلمين، ويمكن بسهولة الوصول إليها ومتابعتها والاحتفاظ بموادها، إما عن طريق الشاشة الفضية، أو على صفحات الشبكة العنكبوتية ومواقع التواصل الاجتماعي.

وعلى أساس المقارنة بينها وبين ما أفرزته بعض عمادات التعليم الالكتروني من برامج كانت دون المأمول والمتوقع، نرجو من معالي الوزير تخصيص قناة أو قناتين أو أكثر من قنوات عين، كي تكون وعاء للتعليم الجامعي، تبث الجامعات من خلالها أهم دروس المواد العامة وبعض المحاضرات المتخصصة، بعيدا عن بث الفعاليات والبهرجات الإعلامية المعتادة، فنحن اليوم بأمس الحاجة لأن نكون واقعيين أكثر من الواقع نفسه!

drbmaz@