زيد الفضيل

نعم للحقوق.. لا للتنمر

السبت - 14 مارس 2020

Sat - 14 Mar 2020

كان ذلك جوابي حين استفسر ملهمي - وعلى قسمات وجهه بعض علامات استغراب - عن سبب عدم اهتمامي بالاحتفاء بذكرى اليوم العالمي للمرأة في هذا العام كما كنت أعمل سابقا، وأردفت قائلا: كنت أنافح بعض قومي ممن أمعنوا النظر إلى المرأة بدونية باعتبارها ناقصة عقل ودين، وأنها خلقت من ضلع أعوج، وهي نجس تقطع صلاة المصلي في رؤية فقهية غريبة، وأن صوتها عورة، ووجهها خطيئة، وحضورها إشكال كبير يستلزم على أبيها وزوجها وحتى ابنها التعامل معها بقدر كبير من الإقصاء، فتراهم يمنعون وجودها في الحياة العامة إلا لماما، ويتحاشون ذكر اسمها كليا، بل وصار من العار أن يعرف أحد ما اسم والدته أو زوجته، إلى غير ذلك من الممارسات المستنكرة، والأفكار الخاطئة، التي فرضت عليّ وعلى غيري من الواعين مواجهتها بالرأي والحجة، برجاء أن تتغير، ليعيش المجتمع حالته السوية دون تطرف وإقصاء، فيستعيد توازنه الذي فقدناه منذ أن سيطر المتشددون على مقاليد حراكه الحياتي، تلك الفترة التي أورثت مجتمعنا كثيرا من الأوبئة الفكرية، فضاقت صدورنا، وأظلمت عقولنا، واستلبت إنسانيتنا، وتشوهت فطرتنا، وتحولنا من أسرة كبيرة يسودها الوئام وحسن الظن، إلى أسر متعددة، تعيش في جزر معزولة، يسودها التوجس والريبة، بحجج ومفاهيم دينية خاطئة.

في ذلك الوقت كنا ننافح بقوة لتصحيح تلك الأفكار السقيمة، ونجاهد للعودة بمجتمعنا إلى واقعه الطبيعي الذي عرفناه أبا عن جد، وورثناه كابرا عن كابر، دون شطط أو تطرف في جوهر العلاقة الضابطة بين المرأة والرجل.

نعم للمساواة في النظرة الإنسانية، والواجبات المستحقة، وحقوق المواطنة المتساوية، كل بحسب تكوينه وطبيعته البنيوية التي أرادها الله، ولا للندية البغيضة التي تريد أن تغير ميزان الهوية التكوينية للرجل والمرأة، لتتحول المرأة وهي الأنثى إلى كائن متنمر في سلوكه وخُلقه، فننتقل من تطرف إلى تطرف مضاد، ونتخلص من توحش ذكوري غير مقبول، لنقع في تنمر أنثوي مرفوض.

ما أحوجنا ونحن نعيش هذا العهد التنويري الزاهر الذي تحقق بدعم وإرادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان يحفظه الله، وولي عهده الأمين الأمير محمد بن سلمان سلمه الله، إلى أن ننظر إلى الأمر بتوازن، ونعمل مع المرأة جنبا إلى جنب، ويدا بيد، لرفع الضرر عن كاهلها، دون أن نوقعه بتطرف فكري على أخيها الرجل.

وفي هذا السياق كم أرجو أن تختفي تلك الدعوات النسوية إلى إعمال التحرر بشكل غير منطقي، والرافعة شعار الحرية المطلقة للمرأة، في منحى سلوكي نافر عن منظومة القيم المجتمعية، وفي قناعتي إن الوصول إلى ذلك خطأ للجنسين (الذكر والأنثى)، فليس اكتمال تمام الإرادة بما يتم فرضه من قيم وسلوك نافر عما تعارف عليه المجتمع في منظومته القيمية، والعبرة بالنتائج كما يقال، والعاقل من اتعظ بغيره، ونحن في تطورنا المعاش لسنا بِدْعا من غيرنا من تلك المجتمعات التي مرت بتجربة مريرة في التحرر من قيد الاضطهاد بحجج ومفاهيم دينية، ثم كان أن ملكت زمام أمرها، فجاء ردها نافرا، حتى إذا ما أفاقت، أخذت تشعر بما وقعت فيه من مخاطر مجتمعية جراء جموحها المبالغ فيه، وهو ما يجب علينا استيعابه وتأمله ونحن نعيش الحالة نفسها من التمكين واستعادة الإرادة.

إنها دعوة إلى تعزيز التكامل بين الرجل والمرأة، وفقا لما يجب أن يكون من مفاهيم صحيحة، وقيم أخلاقية متينة، بعيدا عن الانسياق - كما يظهر من دعوات البعض - إلى تعميق حالة الندية بصورة فجَّة، والأحادية بشكل مخل، إذ ليس من مصلحتنا أن تحل المرأة محل الرجل، وأن يتراجع الرجل عن طبيعة واجباته ووظائفه المستحقة، ولكل منهما دور يجب أن يؤديه باكتمال ووفاء ومودة في إطار ما يكون بينهما من علاقة مجتمعية، فالوالدان كفيلان بتحقيق المساواة بين أبنائهما، والأخ كفيل برعاية أخته بعطف وحنان واحتواء، وفي المقابل هي كفيلة بحفظ حقوقه ورعاية مشاعره بعطف وتقدير واهتمام، والزوج كفيل بتقدير زوجته ورعايتها بحب ومودة واحترام، وفي المقابل هي كفيلة بتقديره وحفظه واحتوائه بعطفها وحنانها.

إنها الحياة الطبيعية التي أراد الله وجودها من تباين خلقه للجنسين، فليكن مرادنا تحقيق ما aأراده الله دون شطط وغلو، وبانفتاح إنساني مقرون بتبتل تستكين له الأنفس الطاهرة.

zash113@