عبدالله المزهر

حتّى مجلس الشورى..!

سنابل موقوتة
سنابل موقوتة

الأربعاء - 11 مارس 2020

Wed - 11 Mar 2020

مات سيبويه وفي نفسه شيء من «حتى»، فحتى قد تكون حرف جر كما في «سلامٌ هي حتى مطلع الفجر»، وقد تكون أداة نصب كما في «فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله»، وقد تكون لا محل لها من الإعراب. وأظنكم تعرفون المثال الذي ضرب عن هذه الـ «حتى» حتى مات. وأعني مثال «أكلت السمكة حتى رأسها»، والذي يمكن فيه أن يكون رأسها مكسورا أو مفتوحا أو مضموما حسب المعنى الذي يراد من الجملة. والمراد أنه لا يمكن تعريف «حتى» بمفردها، ولكن تعريفها يكون حسب الجملة التي وردت فيها.

وأظن أنه بحكم العشرة التي تجمعنا هنا، فإن كثيرا منكم يعلمون أني لم أرد الحديث عن النحو، ولا ذكر مناقب سيبويه ولا الهجوم على «حتى»، وكل ما في الأمر أني بدأت أشعر بالقلق نفسه الذي شعر به سيبويه غفر الله له، ولكن الاختلاف أني سأموت وفي نفسي شيء من «مجلس الشورى». فأنا لا أعلم هل هو يشرع أم يقترح أم إن مهمته دراسة الاقتراحات التي تقترحها الحكومة.

فأحيانا تشعر أنه الأول ثم تصدر تشريعات دون أن يعلم بها، فتبدأ تشك أنه يقترح فتجده يوافق على تشريعات، ثم تجده في حالة ثالثة لا هذا ولا ذاك.

ودعونا نتفق على أن الخلاف بين حالتي وحالة الأخ سيبويه أن قلقه كان مصدره العلم، أما قلقي فأساسه الجهل، ولا أخفيكم أني حاولت مرارا وتكرارا أن أفهم طبيعة هذا المجلس، ولكني أفشل في كل مرة فشلا أشد مرارة من سابقه.

والحقيقة أن هذه ليست مشكلة أعضاء المجلس ولكنها مشكلة المجلس نفسه، ففي الأعضاء شخصيات محترمة وعملية وتريد أن تقدم شيئا مفيدا، وفيه بالطبع ثلة من الأعضاء «المتميلحين والمتميلحات» لكن هذا أمر وارد وطبيعي في كل مجلس، حتى في مجلس استراحتنا.

وقد قرأت مؤخرا أن المجلس الموقر قد «أسقط» توصية حكومية بإضافة التشهير كعقوبة للمتحرش الذي يصدر في حقه حكم نهائي، ولا أعلم ما هي الفكرة الأساسية التي اعتمدوا عليها في إسقاط هذه التوصية. ولكني أعتقد سلفا أنها فكرة غير مقنعة ولا أظن أني سأتفهمها حتى لو شُرحت لي.

ومشكلتي ليست في التوصية التي أسقطها أو التوصيات التي ينجيها من السقوط، مشكلتي الأزلية هي مشكلة سيبويه نفسها مع حتى، فالخبر يُفهم منه أن الحكومة لا تستطيع إقرار العقوبة الإضافية دون موافقة المجلس، وهذا غير صحيح، ويفهم منه أيضا أن المجلس هو من يقر التشريعات والقوانين، وهذا غير صحيح أيضا، ولذلك سأموت وأنا أسأل: لماذا تحيل الحكومة للمجلس ـ الموقر بالطبع ـ ما يمكن أن تمرره دون «مشورته»؟! ولماذا يتعنت المجلس في رفض أشياء يعلم أن رفضه لها أو موافقته عليها لا يعنيان أي شيء؟! وما الفرق بين مجلس الشورى وهيئة الخبراء؟! ومن هو قاتل كينيدي؟!

وعلى أي حال..

أعتقد أن حل بعض هذه الألغاز لن يتأتى لي قبل أن أصبح عضوا تحت القبة - إن كانت هناك قبة، قد أعاني قليلا لنقص خبرتي في التميلح، ولكني سأتعلم وسأصبح عضوا يشار إليه ببقية الأعضاء.

agrni@