شاهر النهاري

المسخوط يتحدى البشرية

الاثنين - 09 مارس 2020

Mon - 09 Mar 2020

الإنسان يفوق حجمه حجم الفيروس بأكثر من ستة ملايين مرة، ورغم ذلك فقد أحدث فيروس الكورونا المسخوط «كوفيد 19» هذه الهزات العالمية العنيفة التي أرعبت البشرية، وغيرت من ثقافاتها وسلوكها واحترازاتها وسياساتها وقوانينها، وبما دلل على أن الفيروس الغامض ذكي، بتطوره وتحوره وخبثه ودخوله في منافسة حياة أو موت مع الجنس البشري.

هل يمكن الاعتماد على مفهوم المؤامرة في معركة الغموض هذه مهما خلقت من مفارقات وقلة حرص؟ أو المبالغة بالتحصن والإجراءات أو ادعاء السيطرة الكاذب واستثمار تباين القدر.

تأثيرات هذا المسخوط حاليا تبدو مسيطرا عليها، وقد تكون واقعا غير ذلك، وتصوروا لو أن هذا الفيروس وجد قبل قرون من الزمان، أما كان سيفتك بملايين البشر كما فعل الطاعون والجدري والحمى الصفراء والحصبة، والكوليرا والتايفوس، وغيرها من الأمراض القاتلة التي وقفت أمامها البشرية عاجزة حينها، بمعتقداتها وعلومها وخرافاتها.

كل الدول الحالية قامت بما تراه الأفضل لها من الحيطة والحماية، والاستعداد لمواجهة هذا المرض.

غير أن الأمور لا تسير بمسار واحد نافع للبشرية، وتباينت ردود الفعل بمدى ركوب موجة الفيروس، وجعله الوسيلة والذريعة، وحروبا اقتصادية ومعتقدا وخبثا وسياسة حددت مجالات تحرك البشر، بانتقائية الحدود وتغيير الصور والمفاهيم ورسم الخيالات، وخلط العلوم بما ليس فيها من وهم وسياسة وانعدام شفافية.

انظر لكل دولة وعلى مدى الكرة الأرضية بحيادية، وحاول وضع ما صنعته من جهود في مواجهة الفيروس ضمن احتمالين، أحدهما حرص وتنظيم وإنسانية وبحوث علمية وعطاء ورغبة في إنقاذ شعبها ووجودها، والسيناريو الآخر قمة الغموض والاحتيال، وخبث ينطوي على نظريات التشتيت والمؤامرة، وحاول أن تفهم الفرق، مع أن الفهم سيكون معتمدا أيضا على نفسيتك وأيديولوجيتك ومداركك وأغراضك التي قد تبعد رؤيتك عن المسببات الحقيقية، وعن نقاط قوة اليقين.

بعض الدول تحاول السيطرة على دولة أو دول أخرى، والمستعمر يطمع بموارد من يحتله، والبعض يرغب في انتهاز عقد المعاهدات المغرضة، بمعترك القوة والضعف، والبعض يطلب ما لا يستحق، والسياسة دوما تسير الأمور، حتى وإن كان بها جحف وتعنت، وابتعاد عن الوعي، والتفاخر بصنع الحلول الإجرائية والعلمية.

كل في عينه هدف وحركة ونقلة، تمكنه من ركوب أزمة المسخوط لبلوغها، أو الهرب منها أو التظاهر بالقدرة، ولكل منهم طريقة ونهج وتحايل، وعقيدة تشق طريقها للتماهي أو الكذب أو الاحتيال أو تصنيع الشر للغير، ممن لا يستشرف مفاتيح المستقبل.

تُرى، أي دولة أو مركز أبحاث، أو منظمة إنسانية ستكون فاعلة في الوصول للحل والعلاج؟ وهل ستتمكن الإنسانية من التخلص من هذا المسخوط سريعا، أم إنها ستستمر تزاول ألعاب العبثية والتشتت البشري، وخيبة تعود بعدها الفيروسات، بحال أكثر شراسة وقتالية؟

عقلاء البشرية يجب أن يتكاتفوا ويخلصوا النيات، وأن يعملوا بتوحد وجدية ضد المسخوط، والمشاركة في تغيير معارف وثقافات البشرية وتاريخها وإنسانيتها.

أما الدول التي تبحث عن فائدة غبية وقتية، فلا شك أنها تتجه بقوة للدرك الأسفل من الإنسانية والتحضر والمعرفة والشفافية، ولن تحصد إلا الجهل والدمار لذاتها وللعالم، وستساعد على قتل السلام في كرتنا المستديرة التي تعاني من غباء البشر وتقلص المدارك، أمام تضخم وخبث المسخوطين.

Shaheralnahari@